Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 6-6)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أولاً - أن لفظة " لعل " تكون للترجي في المحبوب ، وللإشفاق في المحذور . واستظهر أبو حيان في البحر المحيط - أن " لعل " في قوله هنا { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } للإشفاق عليه صلى الله عليه وسلم أن يبخع نفسه لعدم إيمانهم به . وقال بعضهم إن " لعل " في الآية للنهي . وممن قال به العسكري ، وهو معنى كلام ابن عطية كما نقله عنهما صاحب البحر المحيط . وعلى هذا القول فالمعنى لا تبخع نفسك لعدم إيمانهم . وقيل هي في الآية للاستفهام المضمن معنى الإنكار . وإتيان لعل للاستفهام مذهب كوفي معروف . وأظهر هذه الأقوال عندي في معنى " لعل " أن المراد بها في الآية النهي عن الحزن عليهم . وإطلاق لعل مضمنة معنى النهي في مثل هذه الآية أسلوب عربي يدل عليه سياق الكلام . ومن الأدلة على أن المراد بها النهي عن ذلك كثرة ورود النهي صريحاً عن ذلك . كقوله { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فاطر 8 ، وكقوله { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } الحجر 88 ، وقوله { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } المائدة 68 إلى غير ذلك من الآيات وخيرما يفسر به القرآن . والباخع المهلك أي مهلك نفسك من شدة الأسف على عدم إيمانهم ومنه قول ذي الرمة @ ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر @@ كما تقدم . وقوله { على آثارهم } - قال القرطبي آثارهم جمع أثر . ويقال إثر . والمعنى على أثر توليهم وإعراضهم عنك . وقال أبو حيان في البحر ومعنى " على آثارهم " من بعدهم ، أي بعد يأسك من إيمانهم . أو بعد موتهم على الكفر . يقال مات فلان على أثر فلان . أي بعده . وقال الزمخشري شبهه وإباهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به ، وما داخله من الوجد والأسف على توليهم برجل فارقته أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم ، وتلهفاً على فراقهم ! والأسف هنا شدة الحزن . وقد يطلق الأسف على الغضب ! كقوله { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } الزخرف 55 . فإذا حققت معنى هذه الآية الكريمة - فاعلم أن ما ذكره فيها جل وعلا من شدة حزن نبيه صلى الله عليه وسلم عليهم ، وعن نهيه له عن ذلك مبين في آيات أخر كثيرة ، كقوله { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } فاطر 8 ، وكقوله { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } الشعراء 3 ، وكقوله { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } الحجر 88 ، وكقوله { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِين } المائدة 68 ، وكقوله { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } الأنعام 33 ، وكقوله { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } الحجر 97 كما قدمناه موضحاً . وقوله في هذه الآية الكريمة { أسفاً } مفعول من أجله ، أي مهلك نفسك من أجل الأسف . ويجوز إعرابه حالاً . أي في حال كونك آسفاً عليهم . على حد قوله في الخلاصة