Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-223)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } . لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظه " حيث " ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين . إحداهما هي قوله هنا { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } البقرة 223 لأن قوله { فَأْتُواْ } أمر بالإتيان بمعنى الجماع ، وقوله { حَرْثَكُمْ } يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث ، يعني بذر الولد بالنطفة ، وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد ، كما هو ضروري . الثانية قوله تعالى { فَٱلآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } البقرة 187 ، لأن المراد بما كتب الله لكم ، الولد ، على قول الجمهور ، وهو اختيار ابن جرير ، وقد نقله عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحكم ، وعكرمة والحسن البصري ، والسدي ، والربيع ، والضحاك بن مزاحم . ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل . فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه ، بمعنى الجماع ، فيكون معنى الآية فالآن باشروهن ، ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد ، الذي هو القبل دون غيره ، بدليل قوله { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } البقرة 187 يعني الولد . ويتضح لك من هذا أن معنى قوله تعالى { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } البقرة 223 يعني أن يكون الإتيان في محل الحرث على أي حالة شاء الرجل ، سواء كانت المرأة مستلقية أو باركة أو على جنب ، أو غير ذلك ، ويؤيد هذا ما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ، فنزلت { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } البقرة 223 . فظهر من هذا أن جابراً رضي الله عنه يرى أن معنى الآية ، فأتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها . والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع كما عقده صاحب طلعة الأنوار بقوله @ تفسير صاحب له تعلق بالسبب الرفع له محقق @@ وقد قال القرطبي في تفسير قوله تعالى { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } ما نصه وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } شامل للمسالك بحكم عمومها ، فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة ، حسان شهيرة ، رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابياً ، بمتون مختلفة ، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو داود ، و النسائي ، والترمذي ، وغيرهم . وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه . ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه " إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار " قلت وهذا هو الحق المتبع ، و الصحيح في المسألة . ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه ، وقد حذرنا من زلة العالم . وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضي الله عنه ، وكذلك كذّب نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر النسائي وقد تقدم . وأنكر ذلك مالك واستعظمه ، وكذّب من نسب ذلك إليه ، وروى الدارمي في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب . قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري حين أحمض لهن ؟ قال وما التحميض ؟ فذكرت له الدبر . فقال هل يفعل ذلك احد من المسلمين ؟ وأسند عن خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أعجازهن " ، ومثله عن علي بن طلق . وأسند عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم " تلك اللوطية الصغرى " يعنى إتيان المرأة في دبرها . وروي عن طاوس أنه قال كان بدأ عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن ، قال ابن المنذر وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استُغني به عما سواه ، من القرطبي بلفظه . وقال القرطبي أيضاً ما نصه وقال مالك لابن وهب ، وعلي بن زياد ، لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك ، فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل ، فقال كذبوا علي ، كذبوا علي ، كذبوا علي ، ثم قال ألستم قوماً عرباً ؟ ألم يقل الله تعالى { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } البقرة 223 وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت ؟ منه بلفظه أيضاً . ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن ، أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له ، مبيناً أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله { قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } البقرة 222 الآية . فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة . ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة لأن دم الاستحاضة ليس في الاستقذار كدم الحيض ، ولا كنجاسة الدبر لأنه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح ، ومما يؤيد منع الوطء في الدبر إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب . قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في ذلك ، إلا شيئاً جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي ، أن الرتقاء لا ترد بالرتق . والفقهاء كلهم على خلاف ذلك . قال القرطبي وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعاً للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج . فإن قيل قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل فلا ينافي أنها توطأ في الدبر ، فالجواب أن العقم لا يرد به ، ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجباً للرد . وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به في تفسير قوله تعالى { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } البقرة 223 الآية ، فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام . فاعلم أن من روي عنه جواز ذلك كابن عمر ، وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين ، والمتأخرين ، يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها في الفرج من جهة الدبر ، كما يبينه حديث جابر ، والجمع واجب إذا أمكن ، قال ابن كثير في تفسير قوله { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } البقرة 223 ما نصه قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب ، قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن ؟ قال وما التحميض ؟ فذكر الدبر . فقال وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ وكذا رواه ابن وهب ، وقتيبة عن الليث . وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك . فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم ، منه بلفظه ، وقد علمت أن قوله { أَنَّىٰ شِئْتُمْ } البقرة 223 لا دليل فيه للوطء في الدبر . لأنه مرتب بالفاء التعقيبية ، على قوله { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } البقرة 223 ومعلوم أن الدبر ليس محل حرث ، ولا ينتقض هذا بجواز الجماع في عكن البطن ، وفي الفخذين ، والساقين ، ونحو ذلك مع أن الكل ليس محل حرث . لأن ذلك يسمى استمناء لا جماعاً . والكلام في الجمع . لأن المراد بالإتيان في قوله { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ } البقرة 223 الجماع والفارق موجود . لأن عكن البطن ونحوها لا قذر فيها ، والدبر فيه القذر الدائم ، والنجس الملازم . وقد عرفنا من قوله { قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ } البقرة 222 الآية ، أن الوطء في محل الأذى لا يجوز . وقال بعض العلماء معنى قوله { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } البقرة 222 أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه . لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوه إلى غيره ، ويروى هذا القول عن ابن عباس ومجاهد ، وقتادة ، والربيع وغيرهم ، وعليه فقوله { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } البقرة 222 يبينه { قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ } البقرة 222 الآية . لأن من المعلوم أن محل الأذى الذي هو الحيض إنما هو القبل ، وهذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا ، وهذا القول مبني على أن النهي عن الشيء أمر بضده . لأن ما نهى الله عنه فقد أمر بضده ، ولذا تصح الإحالة في قوله { أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } البقرة 222 ، على النهي في قوله { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } البقرة 222 والخلاف في النهي عن الشيء هل هو أمر بضده ؟ معروف في الأصول ، وقد أشار له في مراقي السعود بقوله @ والنهي فيه غابر الخلاف أو أنه أمر بالائتلاف وقيل لا قطعاً كما في المختصر وهو لدى السبكي رأى ما انتصر @@ ومراده بغابر الخلاف هو ما ذكر قبل هذا من الخلاف في الأمر بالشيء ، هل هو عين النهي عن ضده ، أو مستلزم له أو ليس عينه ولا مستلزماً له ؟ يعني أن ذلك الخلاف أيضاً في النهي عن الشيء هل هو عين الأمر بضده ؟ أو ضد من أضداده إن تعددت ؟ أو مستلزم لذلك ؟ أو ليس عينه ولا مستلزماً له ؟ وزاد في النهي قولين أحدهما أنه أمر بالضد اتفاقاً . والثاني أنه ليس أمراً به قطعاً ، وعزا الأخير لابن الحاجب في مختصره وأشار إلى أن السبكي في جمع الجوامع ذكر أنه لم ير ذلك القول لغير ابن الحاجب . وقال الزجاج معنى { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } أي من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة ، ولا تقربوهن من حيث لا يحل ، كما إذا كن صائمات ، أو محرمات ، أو معتكفات . وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } البقرة 222 يعني طاهرات غير حيض ، والعلم عند الله تعالى .