Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 228-228)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } . ظاهر هذه الآية شمولها لجميع المطلقات ، ولكنه بين في آيات أخر خروج بعض المطلقات من هذا العموم ، كالحوامل المنصوص على أن عدتهن وضع الحمل ، في قوله { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } الطلاق 4 ، وكالمطلقات قبل الدخول المنصوص على أنهن لا عدة عليهن أصلاً ، بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } الأحزاب 49 . أما اللواتي لا يحضن ، لكبر أو صغر ، فقد بين أن عدتهن ثلاثة اشهر في قوله { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } الطلاق 4 . قوله تعالى { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } البقرة 228 فيه إجمال لأن القرء يطلق لغة على الحيض ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة أيام أقرائك " ويطلق القرء لغة أيضاً على الطهر ومنه قول الأعشى . @ أفي كلِّ يومٍ أنت جاشِمُ غزوةٍ تَشُد لأقصاها عزيمَ عزائكا مورثةٍ مالاً وفي الحي رفعةٌ لِما ضاع فيها من قروء نسائكا @@ ومعلوم أن القرء الذي يضيع على الغازي من نسائه هو الطهر دون الحيض ، وقد اختلف العلماء في المراد بالقروء في هذه الآية الكريمة ، هل هو الأطهار أو الحيضات ؟ وسبب الخلاف اشتراك القرء بين الطهر والحيض كما ذكرنا ، وممن ذهب إلى أن المراد بالقرء في الآية الطهر ، مالك ، والشافعي ، وأم المؤمنين عائشة ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، والفقهاء السبعة ، وأبان بن عثمان ، والزهري ، وعامة فقهاء المدينة ، وهو رواية عن أحمد ، وممن قال بأن القروء الحيضات ، الخلفاء الراشدون الأربعة ، وابن مسعود ، وأبو موسى ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وابن عباس ، ومعاذ بن جبل ، وجماعة من التابعين وغيرهم ، وهو الرواية الصحيحة عن أحمد . واحتج كل من الفريقين بكتاب وسنة ، وقد ذكرنا في ترجمة هذا الكتاب أننا في مثل ذلك نرجح ما يظهر لنا أن دليله أرجح ، أما الذين قالوا القروء الحيضات ، فاحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله تعالى { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ } الطلاق 4 . قالوا فترتيب العدة بالأشهر على عدم الحيض يدل على أن أصل العدة بالحيض ، والأشهُر بدل من الحيضات عند عدمها ، واستدلّوا أيضاً بقوله { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } البقرة 228 . قالوا هو الولد ، أو الحيض ، واحتجوا بحديث " دعي الصلاة أيام أقرائك " قالوا إنه صلى الله عليه وسلم هو مبين الوحي وقد أطلق القرء على الحيض ، فدل ذلك على أنه المراد في الآية ، واستدلوا بحديث اعتداد الأمة بحيضتين ، وحديث استبرائها بحيضة . وأما الذين قالوا القروء الأطهار ، فاحتجوا بقوله تعالى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الطلاق 1 قالوا عدتهن المأمور بطلاقهن لها الطهر لا الحيض كما هو صريح الآية ، ويزيده إيضاحاً قوله صلى الله عليه وسلم ، في حديث ابن عمر المتفق عليه " فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها ، فتلك العدَّة كما أمر الله " قالوا إن النَّبي صلى الله عليه وسلم صرح في هذا الحديث المتفق عليه ، بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ، مبيناً أن ذلك هو معنى قوله تعالى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الطلاق 1 وهو نصٌّ من كتاب الله وسنة نبيه في محل النزاع . قال مقيده - عفا الله عنه - الذي يظهر لي أن دليل هؤلاء هذا ، فصل في محل النزاع . لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار ؟ وهذه الآية ، وهذا الحديث ، دلا على أنها الأطهار . ولا يوجد في كتاب الله ، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يقاوم هذا الدليل ، لا من جهة الصحة ، ولا من جهة الصراحة في محل النزاع . لأنه حديث متفق عليه مذكور في معرض بيان معنى آية من كتاب الله تعالى . وقد صرح فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم ، بأن الطهر هو العدة مبيناً أن ذلك هو مراد الله جل وعلا ، بقوله { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الطلاق 1 فالإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم " فتلك العدة " ، راجعة إلى حال الطهر الواقع فيه الطلاق . لأن معنى قوله " فليطلقها طاهراً " أي في حال كونها طاهراً ، ثم بين أن ذلك الحال الذي هو الطهر هو العدة مصرحاً بأن ذلك هو مراد الله في كتابه العزيز ، وهذا نص صريح في أن العدة بالطهر . وأنث الإشارة لتأنيث الخبر ، ولا تخلص من هذا الدليل لمن يقول هي الحيضات إلا إذا قال العدة غير القروء ، و النزاع في خصوص القروء كما قال بهذا بعض العلماء . وهذا القول يرده إجماع أهل العرف الشرعي ، وإجماع أهل اللسان العربي ، على أن عدة من تعتد بالقروء هي نفس القروء لا شيء آخر زائد على ذلك . وقد قال تعالى { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } الطلاق 1 وهي زمن التربص إجماعاً ، وذلك هو المعبر عنه بثلاثة قروء التي هي معمول قوله تعالى { يَتَرَبَّصْنَ } البقرة 228 في هذه الآية فلا يصح لأحد أن يقول إن على المطلقة التي تعتد بالأقراء شيئاً يسمى العدة . زائداً على ثلاثة القروء المذكورة في الآية الكريمة البتة ، كما هو معلوم . وفي القاموس وعدة المرأة أيام أقرائها ، وأيام إحدادها على الزوج ، وهو تصريح منه بأن العدة هي نفس القروء لا شيء زائد عليها ، وفي اللسان وعدة المرأة أيام أقرائها ، وعدتها أيضاً أيام إحدادها على بعلها ، وإمساكها عن الزينة . شهوراً كان أو أقراء أو وضع حمل حملته من زوجها . فهذا بيان بالغ من الصحة والوضوح والصراحة في محل النزاع ، ما لا حاجة معه إلى كلام آخر ، وتؤيده قرينة زيادة التاء في قوله { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } البقرة 228 لدلالتها على تذكير المعدود وهو الأطهار . لأنها مذكرة والحيضات مؤنثة . وجواب بعض العلماء عن هذا بأن لفظ القرء مذكر ومسماه مؤنث وهو الحيضة ، وأن التاء إنما جيء بها مراعاة للفظ وهو مذكر لا للمعنى المؤنث . يقال فيه إن اللفظ إذا كان مذكراً ، ومعناه مؤنثاً ، لا تلزم التاء في عدده ، بل تجوز فيه مراعاة المعنى ، فيجرَّد العدد من التاء كقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي @ وكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوض كاعبان ومعصر @@ فجرد لفظ الثلاث من التاء . نظراً إلى أن مسمى العدد نساء ، مع أن لفظ الشخص الذي أطلقه على الأنثى مذكر ، وقول الآخر @ وإن كلاباً هذه عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر @@ فجرد العدد من التاء مع أن البطن مذكر . نظراً إلى معنى القبيلة ، وكذلك العكس كقوله @ ثلاثة أنفسٍ وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيالي @@ فإنه قد ذكر لفظ الثلاثة مع أن الأنفس مؤنثة لفظاً . نظراً إلى أن المراد بها أنفس ذكور ، وتجوز مراعاة اللفظ فيجرد من التاء في الأخير وتلحقه التاء في الأول ولحوقها إذن مطلق احتمال ، ولا يصح الحمل عليه دون قرينة تعينه ، بخلاف عدد المذكر لفظاً ومعنى ، كالقرء بمعنى الطهر فلحوقها له لازم بلا شك ، واللازم الذي لا يجوز غيره أولى بالتقديم من المحتمل الذي يجوز أن يكون غيره بدلاً عنه ولم تدل عليه قرينة كما ترى . فإن قيل ذكر بعض العلماء أن العبرة في تذكير واحد المعدود وتأنيثه إنما هي باللفظ ، ولا تجوز مراعاة المعنى إلا إذا دلت عليه قرينة ، أو كان قصد ذلك المعنى كثيراً ، والآية التي نحن بصددها ليس فيها أحد الأمرين ، قال الأشموني في شرح قول ابن مالك @ ثلاثة بالتاء قل للعشره في عد ما آحاده مذكَّره @@ في الضد جرد إلخ … ما نصه الثاني اعتبار التأنيث في واحد المعدود إن كان اسماً فبلفظه ، تقول ثلاثة أشخص ، قاصداً نسوة ، وثلاث أعين قاصداً رجال . لأن لفظ شخص مذكر ، ولفظ عين مؤنث هذا ما لم يتصل بالكلام ما يقوي المعنى أو يكثر فيه قصد المعنى . فإن اتصل به ذلك جاز مراعاة المعنى ، فالأول كقوله ثلاث شخوص كاعبان ومعصر . وكقوله وإن كلاباً … البيت . والثاني كقوله ثلاثة أنفس وثلاث ذود اهـ منه . وقال الصبان في حاشيته عليه وبما ذكره الشارح يرد ما استدل به بعض العلماء في قوله تعالى { ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } البقرة 228 . { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } النور 4 على أن الأقراء الأطهار لا الحيض ، وعلى أن شهادة النساء غير مقبولة . لأن الحيض جمع حيضة فلو أريد الحيض لقيل ثلاث ، ولو أريد النساء لقيل بأربع . ووجه الرد أن المعتبر هنا اللفظ ، ولفظ قرء وشهيد مذكرين ، منه بلفظه . فالجواب ، والله تعالى أعلم ، أن هذا خلاف التحقيق ، والذي يدل عليه استقراء اللغة العربية جواز مراعاة المعنى مطلقاً ، وجزم بجواز مراعاة المعنى في لفظ العدد ابن هشام ، نقله عنه السيوطي ، بل جزم صاحب التسهيل وشارحه الدماميني بأن مراعاة المعنى في واحد المعدود متعينة . قال الصبان في حاشيته ما نصه قوله فبلفظه ظاهره أن ذلك على سبيل الوجوب ، ويخالفه ما نقله السيوطي عن ابن هشام وغيره من أن ما كان لفظه مذكراً ، ومعناه مؤنثاً ، أو بالعكس ، فإنه يجوز فيه وجهان اهـ . ويخالفه أيضاً ما في التسهيل وشرحه للدماميني . وعبارة التسهيل تحذف تاء الثلاثة وأخواتها ، إن كان واحد المعدودات مؤنث المعنى حقيقة أو مجازاً . قال الدماميني استفيد منه أن الاعتبار في الواحد بالمعنى لا باللفظ . فلهذا يقال ثلاثة طلحات . ثم قال في التسهيل وربما أُول مذكر بمؤنث ، ومؤنث بمذكر ، فجيء بالعدد على حسب التأويل ، ومثل الدماميني الأول بنحو ثلاث شخوص ، يريد نسوة ، وعشر أبطن ، يريد قبائل . والثاني بنحو ثلاثة أنفس ، أي أشخاص ، وتسعة وقائع ، أي مشاهد ، فتأمل . انتهى منه بلفظه . وما جزم به صاحب التسهيل وشارحه ، من تعين مراعاة المعنى ، يلزم عليه تعين كون القرء في الآية هو الطهر كما ذكرنا . وفي حاشية الصبان أيضاً ما نصه قوله جاز مراعاة المعنى في التوضيح أن ذلك ليس قياسياً ، وهو خلاف ما تقدم عن ابن هشام وغيره ، من أن ما كان لفظه مذكراً ، ومعناه مؤنثاً ، أو بالعكس ، يجوز فيه وجهان ، أي ولو لم يكن هناك مرجح للمعنى ، وهو خلاف ما تقدم عن لتسهيل . وشرحه أن العبرة بالمعنى ، فتأمل اهـ منه . وأما الاستدلال على أنها الحيضات بقوله تعالى { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ } الطلاق 4 الآية - فيقال فيه إنه ليس في الآية ما يعين أن القروء الحيضات ، لأن الأقراء لا تقال في الأطهار إلا في الأطهار التي يتخللها حيض ، فإن عدم الحيض عدم معه اسم الأطهار ، ولا مانع إذن من ترتيب الاعتداد بالأشهر على عدم الحيض مع كون العدة بالطهر . لأن الطهر المراد يلزمه وجود الحيض وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم ، فانتفاء الحيض يلزمه انتفاء الأطهار فكأن العدة بالأشهر مرتبة أيضاً على انتفاء الأطهار ، المدلول عليه بانتفاء الحيض . وأما الاستدلال بآية { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } البقرة 228 فهو ظاهر السقوط . لأن كون القروء الأطهار لا يبيح للمعتدة كتم الحيض . لأن العدة بالأطهار لا تمكن إلا بتخلل الحيض لها . فلو كتمت الحيض لكانت كاتمة انقضاء الطهر ، ولو ادعت حيضاً لم يكن ، كانت كاتمة . لعدم انقضاء الطهر كما هو واضح . وأما الاستدلال بحديث " دعي الصَّلاة ايام أقرائك " فيقال فيه إنه لا دليل في الحديث ألبتة على محل النزاع . لأنه لا يفيد شيئاً زائداً على أن القرء يطلق على الحيض . وهذا مما لا نزاع فيه . أما كونه يدل على منع إطلاق القرء في موضع آخر على الطهر فهذا باطل بلا نزاع ، ولا خلاف بين العلماء القائلين بوقوع الاشتراك في أن إطلاق المشترك على أحد معنييه في موضع ، لا يفهم منه منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر . ألا ترى أن لفظ العين مشترك بين الباصرة والجارية مثلاً ، فهل تقول إن إطلاقه تعالى لفظ العين على الباصرة في قوله { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } المائدة 45 الآية - يمنع إطلاق العين في موضع آخر على الجارية ، كقوله { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } الغاشية 12 . والحق الذي لا شك فيه أن المشترك يطلق على كل واحد من معنييه ، أو معانيه في الحال المناسبة لذلك ، والقرء في حديث " دعي الصَّلاة أيَّام أقرائك " مناسب للحيض دون الطهر . لأن الصلاة إنما تترك في وقت الحيض دون وقت الطهر . ولو كان إطلاق المشترك على أحد معنييه ، يفيد منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر ، لم يكن في اللغة اشتراك أصلاً . لأنه كل ما أطلقه على أحدهما منع إطلاقه له على الآخر ، فيبطل اسم الاشتراك من أصله مع أنا قدمنا تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه بأن الطهر هو العدة وكل هذا على تقدير صحة حديث " دعي الصَّلاة أيام أقرائك " لأن من العلماء من ضعفه ، ومنهم من صححه . والظاهر أن بعض طرقه لا يقل عن درجة القبول ، إلا أنه لا دليل فيه لمحل النزاع . ولو كان فيه لكان مردوداً بما هو أقوى منه وأصرح في محل النزاع ، وهو ما قدمنا . وكذلك اعتداد الأمة بحيضتين على تقدير ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم ، لا يعارض ما قدمنا . لأنه أصح منه وأصرح في محل النزاع . واستبراؤها بحيضة مسالة اخرى . لأن الكلام في العدة لا في الاستبراء . ورد بعض العلماء الاستدلال بالآية والحديث الدالين على أنها الأطهار ، بأن ذلك يلزمه الاعتداد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق كما عليه جمهور القائلين بأن القروء الأطهار فيلزم عليه كون العدة قرءين وكسراً من الثالث ، وذلك خلاف ما دلت عليه الآية من أنها ثلاثة قروء كاملة مردود بأن مثل هذا لا تعارض به نصوص الوحي الصريحة ، وغاية ما في الباب إطلاق ثلاثة قروء على اثنين وبعض الثالث . ونظيره قوله { ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } البقرة 197 والمراد شهران وكسر . وادعاء أن ذلك ممنوع في أسماء العدد يقال فيه إن النَّبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ذكر أن بقية الطهر الواقع فيه الطلاق عدة . مبيناً أن ذلك مراد الله في كتابه ، وما ذكره بعض أجلاء العلماء - رحمهم الله - من أن الآية والحديث المذكورين يدلان على أن الأقراء الحيضات بعيد جداً من ظاهر اللفظ كما ترى . بل لفظ الآية والحديث المذكورين صريح في نقيضه ، هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة والله تعالى أعلم ، ونسبة العلم إليه أسلم . قوله تعالى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً } . ظاهر هذه الآية الكريمة أن أزواج كل المطلقات أحق بردهن ، لا فرق في ذلك بين رجعية وغيرها . ولكنه أشار في موضع آخر إلى أن البائن لا رجعة له عليها ، وذلك في قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } الأحزاب 49 . وذلك لأن الطلاق قبل الدخول بائن ، كما أنه أشار هنا إلى أنها إذا بانت بانقضاء العدة لا رجعة له عليها ، وذلك في قوله تعالى { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } البقرة 228 . لأن الإشارة بقوله { ذَلِكَ } راجعة إلى زمن العدة المعبر عنه في الآية بثلاثة قروء . واشترط هنا في كون بعولة الرجعيات أحق بردهن إرادتهم الإصلاح بتلك الرجعة ، في قوله { إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً } البقرة 228 ولم يتعرض لمفهوم هذا الشرط هنا ، ولكنه صرح في مواضع أخر أن زوج الرجعية إذا ارتجعها لا بنية الإصلاح بل بقصد الإضرار بها . لتخالعه أو نحو ذلك ، أن رجعتها حرام عليه ، كما هو مدلول النهي في قوله تعالى { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً } البقرة 231 . فالرجعة بقصد الإضرار حرام إجماعاً ، كما دل عليه مفهوم الشرط المصرح به في قوله { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً } البقرة 231 الآية وصحة رجعته حينئذ باعتبار ظاهر الأمر ، فلو صرح للحاكم بأنه ارتجعها بقصد الضرر ، لأبطل رجعته كما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } . لم يبين هنا ما هذه الدرجة التي للرجال على النساء ، ولكنه أشار لها في موضع آخر وهو قوله تعالى { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء 34 فأشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة . وذلك لأن الذكورة شرف وكمال والأنوثة نقص خلقي طبيعي ، والخلق كأنه مجمع على ذلك . لأن الأنثى يجعل لها جميع الناس أنواع الزينة والحلي ، وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي الذي هو الأنوثة ، بخلاف الذكر فجمال ذكورته يكفيه عن الحلي ونحوه . وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين ، بقوله { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } الزخرف 18 . لأن نشأتها في الحلية دليل على نقصها المراد جبره ، والتغطية عليه بالحلي كما قال الشاعر @ وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا وأما إذا كان الجمال موفراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا @@ ولأن عدم إبانتها في الخصام إذا ظلمت دليل على الضعف الخلقي ، كما قال الشاعر @ بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب فلم يعتذر عذر البرئ ولم تزل به سكتة حتى يقال مريب @@ ولا عبرة بنوادر النساء . لأن النادر لا حكم له . وأشار بقوله { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء 34 إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله ، أن يكون قائماً على الضعيف الناقص خلقة . ولهذه الحكمة المشار إليها جعل ميراثه مضاعفاً على ميراثها . لأن من يقوم على غيره مترقت للنقص ، ومن يقوم عليه غيره مترقب للزيادة ، وإيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة . كما أنه أشار إلى حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة بقوله { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } البقرة 223 لأن من عرف أن حقله غير مناسب للزراعة لا ينبغي أن يرغم على الازدراع في حقل لا يناسب الزراعة . ويوضح هذا لمعنى أن آلة الازدراع بيد الرجل ، فلو أكره على البقاء مع من لا حاجة له فيها حتى ترضى بذلك ، فإنها إن أرادت أن تجامعه لا يقوم ذكره ، ولا ينتشر إليها ، فلم تقدر على تحصيل النسل منه ، الذي هو أعظم الغرض من النكاح بخلاف الرجل ، فإنه يولدها وهي كارهة كما هو ضروري .