Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 71-71)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن سحرة فرعون لما آمنوا برب هارون وموسى قال لهم فرعون منكراً عليهم { آمَنتُمْ لَهُ } أي صدقتموه في أنه نبي مرسل من الله ، وآمنتم بالله قبل أن آذن لكم . يعني أنهم لم يكفوا عن الإيمان حتى يأذن لهم ، لأنه يزعم أنهم لا يحق لهم أن يفعلوا شيئاً إلا بعد إذنه هو لهم . وقال لهم أيضاً إن موسى هو كبيرهم . أي كبير السحرة وأستاذهم الذي علمهم السحر . ثم هددهم مقسماً على أنه يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلاً . لأنه أشد على الإنسان من قطعهما من جهة واحدة . لأنه إن كان قطعهما من جهة واحدة يبقى عنده شق كامل صحيح ، بخلاف قطعهما من خلاف . فالجنب الأيمن يضعف بقطع اليد ، والأيسر يضعف بقطع الرجل كما هو معلوم . وأنه يصلبهم في جذوع النخل ، وجذع النخلة هو أخشن جذع من جذوع الشجر ، والتصليب عليه أشد من التصليب على غيره من الجذوع كما هو معروف . وما ذكره جل وعلا عنه هنا أوضحه في غير هذا الموضع أيضاً . كقوله في سورة " الشعراء " { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } الشعراء 49 . وذكر هذا أيضاً في سورة " الأعراف " وزاد فيها التصريح بفاعل قال وادعاء فرعون أن موسى والسحرة تمالؤوا على أن يظهروا أنه غلبهم مكراً ليتعاونوا على إخراج فرعون وقومه من مصر . وذلك في قوله { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } الأعراف 123 - 124 وقوله في " طه " { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } يبين أن التصليب في جذوع النخل هو مراده بقوله في " الأعراف ، والشعراء " { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } . أي في جذوع النخل وتعدية التصليب بـ " في " أسلوب عربي معروف ، ومنه قول سويد بن أبي كاهل @ هم صلبوا العبدي في جذع نخلة فلا عطصت شيبان إلا بأجدعا @@ ومعلوم عند علماء البلاغة أن في مثل هذه الآية استعارة تبعية في معنى الحرف كما سيأتي إن شاء الله تعالى إيضاح كلامهم في ذلك ونحوه في سورة " القصص " . وقد أوضحنا في كتابنا المسمى منع جواز المجاز في المنزل التعبد والإعجاز . أن ما يسميه البلاغيون من أنواع المجاز مجازاً كلها أساليب عربية نطقت بها العرب في لغتها . وقد بينا وجه عدم جواز المجاز في القرآن وما يترتب على ذلك من المحذور . وقوله في هذه الآية الكريمة { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } قال بعض أهل العلم { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ } يعني أنا ، أم رب موسى أشد عذاباً وأبقى . واقتصر على هذا القرطبي . وعليه ففرعون يدعي أن عذابه أشد وأبقى من عذاب الله . وهذا كقوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } النازعات 24 ، وقوله { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } القصص 38 ، وقوله { لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } الشعراء 29 . وقال بعضهم { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ } أنا ، أم موسى أشد عذاباً وأبقى . وعلى هذا فهو كالتهكم بموسى لاستضعافه له ، وأنه لا يقدر على أن يعذب من لم يطعمه . كقوله { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } الزخرف 52 الآية . والله جل وعلا أعلم . واعلم أن العلماء اختلفوا هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به ، أو لم يفعله بهم ؟ فقال قوم قتلهم وصلبهم . وقوم أنكروا ذلك ، وأظهروهما عندي أنه لم يقتلهم ، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله تعالى . لأن الله يقول لموسى وهارون { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } القصص 35 والعلم عند الله تعالى .