Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 80-81)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } . وذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة امتنانه على بني إسرائيل بإنجائه إياهم من عدوهم فرعون ، وأنه واعدهم جانب الطور الأيمن ، وأنه نزل عليهم المن والسلوى ، وقال لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم . ولا تطغوا فيغضب عليكم ربكم . وما ذكره هنا أوضحه في غير هذا الموضع . كقوله في امتنانه عليهم بإنجائهم من عدوهم فرعون في " سورة البقرة " { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } البقرة 49 ، وقوله في " الأعراف " { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } الأعراف 141 ، وقوله في " الدخان " { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } الدخان 30 - 31 ، وقوله في سورة " إبراهيم " { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } إبراهيم 6 ، وقوله في " الشعراء " { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } الشعراء 59 الآية ، وقوله في " الدخان " { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } الدخان 28 ، وقوله في " الأعراف " { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } الأعراف 137 الآية ، وقوله في " القصص " { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً } القصص 5 إلى قوله { يَحْذَرونَ } القصص 6 إلى غير ذلك من الآيات . وقوله هنا { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } الأظهر أن ذلك الوعد هو المذكور في قوله { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } الأعراف 142 الآية ، وقوله { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } البقرة 51 الآية ، وقوله { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } طه 86 وهو الوعد بإنزال التوراة . وقيل فيه غير ذلك . وقوله هنا { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } قد أوضح امتنانه عليهم بذلك في غير هذا الموضع . كقوله في " البقرة " { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } البقرة 57 وقوله في " الأعراف " { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } الأعراف 160 وأكثر العلماء على أن المن الترنجبين ، وهو شيء ينزل من السماء كنزول الندى ثم يتجمد ، وهو يشبه العسل الأبيض . والسلوى طائر يشبه السمانى . وقيل هو السمانى . وهذا قول الجمهور في المن والسلوى . وقيل السلوى العسل . وأنكر بعضهم إطلاق السلوى على العسل . والتحقيق أن " السلوى " يطلق على العسل لغة . ومنه قول خالد بن زهير الهذلي @ وقاسمها بالله جهداً لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها @@ يعني ألذ من العسل إذا ما نستخرجها . لأن النشور استخراج العسل . قال مؤرج بن عمر السدوسي إطلاق السلوى على العسل لغة كنانة . سمي به لأنه يسلي . قاله القرطبي . إلا أن أكثر العلماء على أن ذلك ليس هو المراد في الآية . واختلفوا في السلوى . هل هو جمع أو مفرد ؟ فقال بعضهم هو جمع ، واحده سلواة ، وأنشد الخليل لذلك قول الشاعر @ وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطر @@ ويروى هذا البيت @ كما انتفض العصفور بلله القطر @@ وعليه فلا شاهد في البيت . وقال الكسائي السلوى مفرد وجمعه سلاوى . وقال الأخفش هو جمع لا واحد له من لفظه . مثل الخير والشر ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى مثل جماعته . كما قالوا دفلى وسمانى وشكاعى في الواحد والجمع . والدفلى كذكرى شجر أخضر مر حسن المنظر ، يكون في الأودية . والشكاعى كحبارى وقد تفتح نوع من دقيق النبات صغيراً أخضر ، دقيق العيدان يتداوى به . والسمانى طائر معروف . قال مقيده عفا الله عنه والأظهر عندي في المن أنه اسم جامع لما يمن الله به على عبده من غير كد ولا تعب ، فيدخل فيه الترنجبين الذي من الله به على بني إسرائيل في التيه . ويشمل غير ذلك مما يماثله . ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين " الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين " . والأظهر عندي في السلوى أنه طائر ، سواء قلنا إنه السمانى ، أو طائر يشبهه ، لإطباق جمهور العلماء من السلف والخلف على ذلك . مع أن السلوى ، يطلق لغة على العسل ، كما بينا . وقوله في آية " طه " هذه { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي من المن والسلوى ، والأمر فيه للإباحة والامتنان . وقد ذكر ذلك أيضاً في غير هذا الموضع ، كقوله في " البقرة " { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } البقرة 57 ، وقوله في " الأعراف " { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } الأعراف 160 ، وقوله { كُلُواْ } في هذه الآيات مقول قول محذوف ، أي وقلنا لهم كلوا ، والضمير المجرور في قوله { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } راجع إلى الموصول الذي هو " ما " أي كلوا من طيبات الذي رزقناكم { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } أي فيما رزقناكم . ونهاهم عن الطغيان فيما رزقهم ، وهو أن يتعدوا حدود الله فيه بأن يكفروا نعمته به ، ويشغلهم اللهو والنعيم عن القيام بشكر نعمه ، وأن ينفقوا رزقه الذي أنعم عليهم به في المعاصي ، أو يستعينوا به على المعصية ، أو يمنعوا الحقوق الواجبة عليهم فيه ، ونحو ذلك . وبين أن ذلك يسبب لهم أن يحل عليهم غضبه جل وعلا ، لأن الفاء في قوله { فَيَحِلَّ } سببية ، والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها ، لأنه بعد النهي وهو طلب محض ، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله @ وبعد فا جواب نفي أو طلب محضين أن وسترها حتم نصب @@ وقرأ هذا الحرف الكسائي { فَيَحُلَّ } بضم الحاء { وَمَن يَحْلِلْ } بضم اللام . والباقون قرؤوا { يَحِلَّ } بكسر الحاء و { يَحْلِلْ } بكسر اللام . وعلى قراءة الكسائي { فَيَحُلَّ } بالضم أي ينزل بكم غضبي . وعلى قراءة الجمهور فهو من حل يحل بالكسر إذا وجب ، ومنه حل دينه إذا وجب أداؤه . ومنه { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } الحج 33 . وقوله { فَقَدْ هَوَىٰ } أي هلك وصار إلى الهاوية ، وأصله أن يسقط من جبل أو نحوه فيهوي إلى الأرض فيهلك ، ومنه قول الشاعر @ هوى من رأس مرقبة ففتت تحتها كبده @@ ويقولون هوت أمه ، أي سقط سقوطاً لا نهوض بعده . ومنه قول كعب بن سعد الغنوي @ هوت أمه ما يبعث الصبح غادياً وماذا يرد الليل حين يؤوب @@ ونحو هذا هو أحد التفسيرات في قوله تعالى { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } القارعة 9 وعن شفى بن مانع الأصبحي قال إن في جهنم جبلاً يدعى صعوداً يطلع فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يرقاه . قال الله تعالى { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } المدثر 17 وإن في جهنم قصراً يقال له هوى ، يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفاً قبل أن يبلغ أصله ، قال الله تعالى { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } قال القرطبي وابن كثير ، والله تعالى أعلم . واعلم أن الغضب صفة وصف الله بها نفسه إذا انتهكت حرماته ، تظهر آثارها في المغضوب عليهم . نعوذ بالله من غضبه جل وعلا . ونحن معاشر المسلمين نمرها كما جاءت فنصدق ربنا في كل ما وصف به نفسه ، ولا نكذب بشيء من ذلك . مع تنزيهنا التام له جل وعلا عن مشابهة المخلوقين سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً . كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاح في سورة " الأعراف " وقرأ حمزة والكسائي في هذه الآية { قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْتكم } بتاء المتكلم فيهما . وقرأه الباقون { وَوَاعَدْنَاكُمْ وَأَنجَيْنَاكُم } بالنون الدالة على العظمة ، فصيغة الجمع في قراءة الجمهور للتعظيم . وقرأ أبو عمرو { وَوَعَدْنَاكُمْ } بلا ألف بعد الواو الثانية بصيغة الفعل المجرد ، من الوعد لا من المواعدة مع نون التعظيم .