Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 36-36)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا رأوا النَّبي صلى الله عليه وسلم ما يتخذونه إلا هزواً ، أي مُستهزأً به مستخفاً به . والهزؤ السخرية ، فهو مصدر وصف به . ويقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم أي يعيبها وينفي أنها تشفع لكم وتقربكم إلى الله زلفى ، ويقول إنها لا تنفع من عبدها ، ولا تضر من لم يعبدها ، وهم مع هذا كله كافرون بذكر الرحم . فالخطاب في قوله { وَإِذَا رَآكَ } للنبي صلى الله عليه وسلم . و " إن " في قوله { إِن يَتَّخِذُونَكَ } نافية . والاستفهام في قوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } قال فيه أبو حيان في البحر إنه للإنكار والتعجيب . والذي يظهر لي أنهم يريدون بالاستفهام المذكور التحقير بالنَّبي صلى الله عليه وسلم ، كما تدلّ عليه قرينة قوله { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } . وقد تقرر في فن المعاني أن من الأغراض التي تؤدي بالاستفهام التحقير . وقال القرطبي في تفسير هذه الآية إن جواب " إِذَا " هو القول المحذوف ، وتقديره وإذا رآك الذين كَفَروا يقولون أهذا الذي يذكر آلهتكم . وقال إن جملة { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } جملة معترضة بين إذا وجوابها . واختار أبو حيان في البحر أن جواب " إِذَا " هو جملة { إِن يَتَّخِذُونَكَ } وقال إن جواب إذا بجملة مصدرة بـ " إن " أو ما النافيتين لا يحتاج إلى الاقتران بالفاء . وقوله { يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } أي يعيبها . ومن إطلاق الذكر بمعنى العَيْب قوله تعالى { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } الأنبياء 60 أي يعيبهم . وقول عنترة @ لا تَذْكُرِي مُهْري وما أَطْعَمْتُه فيكون جلدُكِ مثلَ جلدِ الأَجْرَبِ @@ أي لا تعيبي مهري ، قاله القرطبي . وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة الذِّكر يكون بخير وبخلافِه . فإذا دلت الحال على أحدهما أُطلق ولم يقيد ، كقولك للرجل سمعت فلاناً يذكرك ، فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء . وإن كان عدواً فَذم ، ومنه قوله تعالى { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } الأنبياء 60 ، وقوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } الأنبياء36 انتهى محل الغرض منه . والجملة في قوله { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } حالية . وقال بعض أهل العلم معنى كفرهم بذكر الرحمن هو الموضح في قوله تعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } الفرقان 60 ، وقولهم ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب . وقد بين ابن جرير الطبري وغيره أن إنكارهم لمعرفتهم الرحمن تجاهل منهم ومعاندة مع أنهم يعرفون أن الرحمن من أسماء الله تعالى . قال وقال بعض شعراء الجاهلية الجهلاء @ ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قطع الرحمن ربي يمينها @@ وقال سلامة بن جندل الطهوي @ عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق @@ وفي هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على سخافة عقول الكفار . لأنهم عاكفون على ذكر أصنام لا تنفع ولا تضر ، ويسوءهم أن تذكر بسوء ، أو يقال إنها لا تشفع ولا تقرب إلى الله . وأما ذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية فهم به كافرون لا يصدقون به ، فهم أحق بأن يتخذوا هزؤا من النَّبي صلى الله عليه وسلم الذي اتخذوه هزؤا ، فإنه محق وهم مبطلون . فإذا عرفت معنى هذه الآية الكريمة فاعلم أن هذا المعنى الذي دلت عليه جاء أيضاً مبيناً في سورة " الفرقان " في قوله تعالى { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } الفرقان 41 - 42 فتحقيرهم لعنهم الله له صلى الله عليه وسلم المذكور في قوله في " الأنبياء " في قوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } هو المذكور في " الفرقان " في قوله { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } الفرقان 42 أي لما يبين من معائبها ، وعدم فائدتها ، وعظم ضرر عبادتها .