Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 39-39)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جواب " لَوْ " في هذه الآية محذوف ، وقد قدمنا أدلة ذلك وشواهده من " العربية " في سورة " البقرة " ، وأشرنا إليه في سورة " إبراهيم " وسورة " يوسف " . ومعنى الآية الكريمة لو يعلم الكفار الوقت الذي يسألون عنه بقولهم متى هذا الوعد ؟ وهو وقت صعب شديد ، تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام . فلا يقدرون على منعها ودفعها عن أنفسهم ، ولا يجدون ناصراً ينصرهم ، لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ، ولكن جهلهم بذلك هو الذي هونه عليهم . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من المعاني جاء مبيناً في مواضع أخر من كتاب الله تعالى . أما إحاطة النار بهم في ذلك اليوم فقد جاءت موضحة في آيات متعددة ، كقوله تعالى { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } الكهف 29 ، وقوله تعالى { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } الأعراف 41 الآية ، وقوله تعالى { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } الزمر 16 ، وقوله تعالى { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } إبراهيم 50 . وقوله تعالى { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } المؤمنون 104 إلى غير ذلك من الآيات . نرجو الله الكريم العظيم أن يعيذنا منها ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل ، إنه قريب مجيب . وما تضمنته من كونهم في ذلك اليوم ليس لهم ناصر ولا قوة يدفعون بها عن أنفسهم جاء مبيناً في مواضع أخر . كقوله تعالى { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } الطارق 10 ، وقوله تعالى { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } الصافات 25 - 26 والآيات في ذلك كثيرة . وما أشارت إليه هذه الآية من أن الذي هون عليهم ذلك اليوم العظيم حتى استعجلوه واستهزءوا بمن يخوفهم منه إنما هو جهلهم به جاء مبيناً أيضاً في مواضع أخر . كقوله تعالى { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } الشورى 18 ، وقوله تعالى { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يونس 50 إلى غير ذلك من الآيات . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { لَوْ يَعْلَمُ } قال بعض أهل العلم هو فعل متعد ، والظاهر أنها عرفانية ، فهي تتعدى إلى مفعول واحد . كما أشار له في الخلاصة بقوله @ لعلم عرفان وظن تهمه تعدية لواحد ملتزمه @@ وعلى هذا فالمفعول هذا قوله { حِينَ } أي لو يعرفون حين وقوع العذاب بهم وما فيه من الفظائع لما استخفوا به واستعجلوه . وعلى هذا فالحين مفعول به لا مفعول فيه . لأن العلم الذي هو بمعنى المعرفة واقع على نفس الحين المذكور . وقال بعض أهل العلم فعل العلم في هذه الآية منزل منزلة اللازم ، فليس واقعاً على مفعول . وعليه فالمعنى لو كان لهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين . وعلى هذا فالآية كقوله تعالى { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } الزمر 9 والمعنى لا يستوي من عنده علم ومن لا علم عنده . وقد تقرر في فن المعاني أنه إذا كان الغرض إثبات الفعل لفاعله في الكلام المثبت ، أو نفيه عنه في الكلام المنفي مع قطع النظر عن اعتبار تعلق الفعل بمن وقع عليه ، فإنه يجري مجرى اللازم ، كقوله { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } لأنه يراد منه أن من ثبتت له صفة العلم لا يستوي هو ومن انتفت عنه ، ولم يعتبر هنا وقوع العلم على معلومات من اتصف بذلك العلم . وعلى هذا القول فقوله { حِينَ لاَ يَكُفُّونَ } منصوب بمضمر . أي حين لا يكفون عن وجههم النار يعلمون أنهم كانوا على الباطل . والأول هو الأظهر . واستظهر أبو حيان أن مفعول " يعلم " محذوف ، وأنه هو العال في الظرف الذي هو " حِين " ، والتقدير لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي استعجلوه حتى لا يكفُّون لما كفروا واستعجلوا واستهزءوا . واعلم أنه لا إشكال في قوله تعالى { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } الأنبياء 37 مع قوله { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } الأنبياء 37 فلا يقال كيف يقول إن الإنسان خلق من العجل وجبل عليه ، ثم ينهاه عما خلق منه وجبل عليه ، لأنه تكليف بمحال ! ؟ لأنا نقول نعم هو جبل على العجل ، ولكن في استطاعته أن يلزم نفسه بالكف عنها . كما قال تعالى { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } النازعات 40 - 41 .