Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار أخفوا النجوى فيما بينهم ، قائلين إن النَّبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بشر مثلهم ، فكيف يكون رسولاً إليهم ؟ والنجوى الإسرار بالكلام وإخفاؤه عن الناس . وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من دعواهم أن بشراً مثلهم لا يمكن أن يكون رسولاً ، وتكذيب الله لهم في ذلك جاء في آيات كثيرة ، وقد قدمنا كثيراً من ذلك ، كقوله { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } الإسراء 94 ، وقوله { فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } التغابن 6 الآية ، وقوله { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } القمر 24 وقوله { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } المؤمنون 33 - 34 ، وقوله تعالى { مَا لِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 7 الآية ، وقوله تعالى { قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } إبراهيم 10 الآية . والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً ، كما تقدم إيضاح ذلك . وقد رد الله عليهم هذه الدعْوَى الكاذبة التي هي منع إرسال البشر ، كقوله هنا في هذه السورة الكريمة { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } النحل 43 ، وقوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد 38 الآية ، وقوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 20 ، وقوله هنا { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } الأنبياء 8 ، إلى غير ذلك من الآيات . وجملة { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . قيل بدل من " النجوى " . أي أسروا النجوى التي هي هذا الحديث الخفي الذي هو قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم . وصدر به الزمخشري ، وقيل مفعول به للنجوى . لأنها بمعنى القول الخفي . أي قالوا في خفية { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . وقيل معمول قول محذوف . أي قالوا هل هذا إلا بشر مثلكم . وهو أظهرها . لاطراد حذف القول مع بقاء مقوله . وفي قوله { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أوجه كثيرة من الإعراب معروفة ، وأظهرها عندي أنها بدل من الواو في قوله { وَأَسَرُّواْ } بدل بعض من كل ، وقد تقرر في الأصول أن بدل البعض من الكل من المخصصات المتصلة ، كقوله تعالى { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } آل عمران 97 . فقوله { من } بدل من " الناس " بدل بعض من كل ، وهي مخصصة لوجوب الحج بأنه لا يجب إلاَّ على من استطاع إليه سبيلاً . كما قدمنا هذا في سورة " المائدة " . قوله تعالى { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } . إعراب هذه الجملة جار مجرى إعراب الجملة التي قبلها ، التي هي { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } الأنبياء 3 ، والمعنى أنهم زعموا أن ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم سحر ، وبناء على ذلك الزعم الباطل أنكروا على أنفسهم إتيان السحر وهم يبصرون . يعنون بذلك تصديق النَّبي صلى الله عليه وسلم ، أي لا يمكن أن نصدقك ونتبعك ، ونحن نبصر أن ما جئت به سحر . وقد بين جل وعلا في غير هذا الموضع أنهم ادعوا أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم سحر ، كقوله عن بعضهم { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدثر 24 ، وقوله تعالى { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } الذاريات 52 . وقد رد الله عليهم دعواهم أن القرآن سحر بقوله هنا { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } الأنبياء 4 يعني أن الذي يعلم القول في السماء والأرض الذي هو السميع العليم ، المحيط علمه بكل شيء ، هو الذي أنزل هذا القرآن العظيم ، وكون من أنزله هو العالم بكل شيء يدل على كمال صدقه في الأخبار وعدله في الأحكام ، وسلامته من جميع العيوب والنقائص ، وأنه ليس بسحر . وقد أوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الفرقان 6 الآية ، وقوله تعالى { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } النساء 166 إلى غير ذلك من الآيات . وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي وحفص عن عاصم { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ } بألف بعد القاف وفتح اللام بصيغة الفعل الماضي ، وقرأه الباقون { قُلْ } بضم القاف وإسكان اللام بصيغة الأمر .