Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 42-42)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } . أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للمعرضين عن ذكر ربهم { مَن يَكْلَؤُكُم } أي من هو الذي يحفظكم ويحرسكم { بِٱلْلَّيْلِ } في حال نومكم { وَٱلنَّهَارِ } في حال تصرفكم في أموركم . والكِلاءة بالكسر الحفظ والحِراسة . يقال اذهب في كِلاءة الله . أي في حفظه ، واكتلأت منهم احترست . ومنه قول ابن هرمة @ إنَّ سُلَيمى والله يكلؤها ضنَّت بشيء ما كان يَرْزَؤُها @@ وقول كعب بن زهير @ أَنَخْت بَعيري واكْتَلأَت بِعَيْنِهِ وآمرت نفسي أي أمري أفعلُ @@ و " من " في قوله { مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } فيها للعلماء وجهان معروفان أحدهما وعليه اقتصر ابن كثير أن " من " هي التي بمعنى بدل . وعليه فقوله { مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي بدل الرحمن ، يعني غيره . وأنشد ابن كثير لذلك قول الراجز @ جارية لم تلبس المرققا ولم تذق من البقول الفستقا @@ أي لم تذق بدل البقول الفستق . وعلى هذا القول فالآية كقوله تعالى { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } التوبة 38 أي بدلها ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر . @ أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ظلما ويكتب للأمير أفيلا @@ يعني أخذوا في الزكاة المخاض بدل الفصيل . والوجه الثاني أن المعنى { مَن يَكْلَؤُكُم } قال أبو حيان في البحر هو استفهام تقريع وتوبيخ . وهو عندي يحتمل الإنكار والتقرير . فوجه كونه إنكارياً أن المعنى لا كالئ لكم يحفظكم من عذاب الله البتَّة إلاَّ الله تعالى . أي فكيف تعبدون غيره . ووجه كونه تقريريّاً أنهم إذا قيل لهم من يكلؤكم ؟ اضطروا إلى أن يقروا بأن الذي يكلؤهم هو الله . لأنهم يعلمون أنه لا نافع ولا ضار إلا هو تعالى ، ولذلك يخلصون له الدعاء عند الشدائد والكروب ، ولا يدعون معه غيره ، كما قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة " الإسراء " وغيرها . فإذا أقروا بذلك توجه إليهم التوبيخ والتقريع ، كيف يصرفون حقوق الذي يحفظهم باللَّيل والنهار إلى ما لا ينفع ولا يضر . وهذا المعنى الذي أشارت إليه هذه الآية الكريمة أنه لا أحد يمنع أحداً من عذاب الله ، ولا يحفظه ولا يحرسه من الله ، وأن الحافظ لكل شيء هو الله وحده جاء مبيناً في مواضع أخر . كقوله تعالى { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } الرعد 11 على أظهر التفسيرات ، وقوله تعالى { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } الفتح 11 الآية ، وقوله تعالى { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } الأحزاب 17 ، وقوله تعالى { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } المائدة 17 ، وقوله تعالى { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } المؤمنون 88 إلى غير ذلك من الآيات .