Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 83-84)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظاهر أن قوله { وَأَيُّوبَ } منصوب باذكر مقدراً ، ويدل على ذلك قوله تعالى في " ص " { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41 . وقد أمر جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر أيوب حين نادى ربه قائلاً { نِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } وأن ربه استجاب له فكشف عنه جميع ما به من الضر ، وأنه آتاه أهله ، وآتاه مثلهم معهم رحمة منه جل وعلا به ، وتذكيراً للعابدين أي الذين يعبدون الله لأنهم هم المنتفعون بالذكرى . وهذا المعنى الذي ذكره هنا ذكره أيضاً في سورة " ص " في قوله { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41 إلى قوله { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } ص 43 والضر الذي مس أيوب ، ونادى ربه ليكشفه عنه كان بلاء أصابه في بدنه وأهله وماله . ولما أراد الله إذهاب الضر عنه أمره أن يركض برجله ففعل ، فنبعت له عين ماء فاغتسل منها فزال كل ما بظاهر بدنه من الضر ، وشرب منها فزال كل ما بباطنه . كما أشار تعالى إلى ذلك في قوله { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ص 42 . وما ذكره في " الأنبياء " من أنه آتاه أهله ومثلهم رحمة منه وذكرى لمن يعبده بينه في " ص " في قوله { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } ص 43 ، وقوله في " الأنبياء " ، { وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } مع قوله في " ص " ، { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } فيه الدلالة الواضحة على أن أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال ، هم الذين يعبدون الله وحده ويطيعونه . وهذا يؤيد قول من قال من أهل العلم ، إن من أوصى بشيء من ماله لأعقل الناس أن تلك الوصية تصرف لأتقى الناس وأشدهم طاعة لله تعال . لأنهم هم أولو الألباب . أي العقول الصحيحة السالمة من الاختلال . تنبيه في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف ، وهو أن يقال إن قول أيوب المذكور في " الأنبياء " في قوله ، { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } الأنبياء 83 وفي " ص " في قوله ، { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41 يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه . مع أن قوله تعالى عنه ، { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } ص 44 يدل على كمال صبره ؟ والجواب أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه ، لا شكوى ولا جزع . قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة ، ولم يكن قوله { مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ } الأنبياء 83 جزعاً . لأن الله تعالى ، قال { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } ص 44 بل كان ذلك دعاء منه . والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى ، والدعاء لا ينافي الرضا . قال الثعلبي سمعت أستاذنا أبا القاسم بن حبيب يقول حضرت مجلساً غاصاً بالفقهاء والأدباء في دار السلطان . فسئلت عن هذه الآية الكريمة بعد اجتماعهم على أن قول أيوب كان شكاية وقد قال الله تعالى { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً } ص 44 فقلت ليس هذا شكاية ، وإنما كان دعاء . بيانه { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } الأنبياء 84 والإجابة تتعقب الدعاء لا الاشتكاء . فاستحسنوه وارتضوه . وسئل الجنيد عن هذه الآية الكريمة فقال عرفة فاقة السؤال ليمن عليه بكرم النوال انتهى منه . ودعاء أيوب المذكور ذكره الله في سورة " الأنبياء " من غير أن يسند مس الضر أيوب إلى الشيطان في قوله { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } الأنبياء 83 وذكره في سورة " ص " وأسند ذلك للشيطان في قوله { أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص 41 والنصب على جميع القراءات معناه التعب والمشقة ، والعذاب الألم . وفي نسبة ما أصابه من المشقة والألم إلى الشيطان في آية " ص " هذه إشكال قوي معروف . لأن الله ذكر في آيات من كتابه أن الشيطان ليس له سلطان على مثل أيوب من الأنبياء الكرام . كقوله { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } النحل 99 - 100 ، وقوله تعالى { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } سبأ 21 الآية ، وقوله تعالى عنه مقرراً له { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } إبراهيم 22 ، وقوله تعالى { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } الحجر 42 . وللعلماء عن هذا الإشكال أجوبة . منها ما ذكره الزمخشري قال فإن قلت لم نسبه إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يسلطه على أنبيائه ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره ، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب ؟ قلت لما كانت وسوسته إليه ، وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله به من النصب والعذاب نسبه إليه ، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه ، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو . وقيل أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء ، ويغريه على الكراهة والجزع ، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء ، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل . وروي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين . فارتد أحدهم فسأل عنه ، فقيل ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء الصالحين . وذكر في سبب بلائه أن رجلاً استغاثه على ظالم فلم يغثه . وقيل كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه . وقيل . أعجب بكثرة ماله انتهى منه . ومنها ما ذكره جماعة من المفسرين أن الله سلط الشيطان على ماله وأهله ابتلاء لأيوب . فأهلك الشيطان ماله وولده ، ثم سلطه على بدنه ابتلاء له فنفخ في جسده نفخة اشتعل منها ، فصار في جسده ثآليل ، فحكها بأظافره حتى دميت ، ثم بالفخار حتى تساقط لحمه ، وعصم الله قلبه ولسانه . وغالب ذلك من الإسرائيليات وتسليطه للابتلاء على جسده ، وماله وأهله ممكن ، وهو أقرب من تسليطه عليه بحمله على أن يفعل ما لا ينبغي . كمداهنة الملك المذكور ، وعدم إغاثة الملهوف ، إلى غير ذلك من الأشياء التي يذكرها المفسرون . وقد ذكروا هنا قصة طويلة تتضمن البلاء الذي وقع فيه ، وقدر مدته وكل ذلك من الاسرائيليات وقد ذكرنا هنا قليلاً . وغاية ما دل عليه القرآن أن الله ابتلى نبيه أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأنه ناداه فاستجاب له وكشف عنه كل ضر ، ووهبه أهله ومثلهم معهم ، وأن أيوب نسب ذلك في " ص " إلى الشيطان . ويمكن أن يكون سلطه الله على جسده وماله وأهله . ابتلاء ليظهر صبره الجميل ، وتكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة ، ويرجع له كل ما أصيب فيه ، والعلم عند الله تعالى وهذا لا ينافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب ، لأن التسليط على الأهل والمال والجسد من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض ، وذلك يقع للأنبياء ، فإنهم يصيبهم المرض ، وموت الأهل ، وهلاك المال لأسباب متنوعة . ولا مانع من أن يكون جملة تلك الأسباب تسليط الشيطان على ذلك للابتلاء وقد أوضحنا جواز وقوع الأمراض والتأثيرات البشرية على الأنبياء في سورة " طه " وقول الله لنبيه أيوب في سورة " ص " { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } ص 44 الآية ، قال المفسرون فيه إنه حلف في مرضه ليضربن زوجه مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ ضغثاً فيضربها به ليخرج من يمينه ، والضغث الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو نحو ذلك . والمعنى أنه يأخذ حزمة فيها مائة عود فيضربها بها ضربة واحدة ، فيخرج بذلك من يمينه . وقد قدمنا في سورة " الكهف " الاستدلال بآية { وَلاَ تَحْنَثْ } على أن الاستثناء المتأخر لا يفيد . إذ لو كان يفيد لقال الله لأيوب قل إن شاء الله . ليكون ذلك استثناء في يمينك .