Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 15-15)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في هذه الآية الكريمة أوجه من التفسير معروفة عند العلماء ، وبعضها يشهد لمعناه قرآن . الأول أن المعنى من كان من الكفرة الحسدة له صلى الله عليه وسلم ، يظن أن لن ينصره الله أي أن لن ينصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } أي بحبل إلى السماء أي سماء بيته ، والمراد به السقف لأن العرب تسمي كل ما علاك سماء كما قال @ وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر @@ كما أوضحناه في سورة الحجر . والمعنى فليعقد رأس الحبل في خشبة السقف { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } أي ليختنق بالحبل ، فيشده في عنقه ، ويتدلى مع الحبل المعلق في السقف حتى يموت ، وإنما أطلق القطع على الاختناق ، لأن الاختناق يقطع النفس بسبب حبس مجاريه ، ولذا قيل للبهر وهو تتابع النفس قطع ، فلينظر إذا اختنق { هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } أي هل يذهب فعله ذلك ما يغيظه من نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، في الدنيا والآخرة . والمعنى لا يذهب ذلك الذي فعله ذلك الكافر الحاسد ما يغيظه ويغضبه من نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم . قال الزمخشري وسمي فعله كيداً ، لأن وضعه موضع الكيد ، حيث لم يقدر على غيره ، أو على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده ، إنما كاد به نفسه ، والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه ا هـ منه . وحاصل هذا القول أن الله يقول لحاسديه صلى الله عليه وسلم ، الذين يتربصون به الدوائر ، ويظنون أن ربه لن ينصره موتوا بغيظكم ، فهو ناصره لا محالة على رغم أنوفكم ، وممن قال بهذا القول مجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، وعطاء ، وأبو الجوزاء ، وغيرهم . كما نقله عنهم ابن كثير ، وهو أظهرها عندي . ومما يشهد لهذا المعنى من القرآن قوله تعالى . { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } آل عمران 119 . الوجه الثاني أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، والحال أن النصر يأتيه صلى الله عليه وسلم من السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء فيرتقي بذلك السبب ، حتى يصعد إلى السماء ، فيقطع نزول الوحي من السماء ، فيمنع النصر عنه صلى الله عليه وسلم . والمعنى أنه وإن غاظه نصر الله لنبيه . فليس له حيلة ، ولا قدرة على منع النصر ، لأنه لا يستطيع الارتقاء إلى السماء ومنع نزول النصر منها عليه صلى الله عليه وسلم وعلى هذا القول فصيغة الأمر في قوله { فَلْيَمْدُدْ } وقوله { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } للتعجيز { لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ } ذلك الحاسد العاجز عن قطع النصر عنه صلى الله عليه وسلم هل يذهب كيده إذا بلغ غاية جهده في كيد النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم . والمعنى أنه إن أعمل كل ما في وسعه ، من كيد النَّبي صلى الله عليه وسلم ليمنع عنه نصر الله ، فإنه لا يقدر على ذلك ، ولا يذهب كيده ما يغيظه من نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم . ومما يشهد لهذا القول من القرآن قوله تعالى { أَمْ لَهُم مٌّلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } ص 10 - 11 وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة الحجر . ولبعض أهل العلم قول ثالث في معنى الآية الكريمة وهو أن الضمير في { لَّن يَنصُرَهُ } عائد إلى من في قوله تعالى { مَن كَانَ يَظُنُّ } وأن النصر هنا بمعنى الرزق ، وأن المعنى من كان يظن أن لن ينصره الله أي لن يرزقه ، فليختنق ، وليقتل نفسه ، إذ لا خير في حياة ليس فيها رزق الله وعونه ، أو فليختنق ، وليمت غيظاً وغماً ، فإن ذلك لا يغير شيئاً مما قضاه الله وقدره ، والذين قالوا هذا القول قالوا إن العرب تسمي الرزق نصراً ، وعن أبي عبيدة قال وقف علينا سائل من بني بكر ، فقال من ينصرني نصره الله ، يعني من يعطيني أعطاه الله ، قالوا ومن ذلك قول العرب أرض منصورة أي ممطورة ، ومنه قول رجل من بني فقعس @ وإنك لا تُعطي امرأً فوق حقِّه ولا تملك الشّق الذي ألغيت ناصره @@ أي معطيه . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له وهذا القول الأخير ظاهر السقوط ، كما ترى ، والذين قالوا إن الضمير في قوله { أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } راجع إلى الدين ، أو الكتاب ، لا يخالف قولهم قول من قال إن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن نصر الدين ، والكتاب هو نصره صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى ، ونصر الله له صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، بإعلائه كلمته ، وقهره أعداءه ، وإظهار دينه ، وفي الآخرة بإعلاء درجته ، والانتقام ممن كذبه ، ونحو ذلك كما قال تعالى { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } غافر 51 فإن قيل قررتم أن الضمير في ينصره ، عائد إليه صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يجر له ذكر ، فكيف قررتم رجوع الضمير إلى غير مذكور . فالجواب هو ما قاله غير واحد من أنه صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يجر له ذكر فالكلام دال عليه ، لأن الإيمان في قوله في الآية التي قبلها تليها { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الحج 14 الآية . هو الإيمان بالله ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، والانقلاب عن الدين المذكور في قوله { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } الحج 11 انقلاب عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } قرأه أبو عمرو ، وابن عامر ، وورش ، عن نافع بكسر اللام على الأصل في لام الأمر ، وقرأه الباقون بإسكان اللام تخفيفاً .