Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 19-21)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } . ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، من أنواع عذاب أهل النار ، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها ، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل ، وجاء مبيناً في آيات أخر من كتاب الله ، فقوله هنا { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ } أي قطع الله لهم من النار ثياباً ، وألبسهم إياها تنقد عليهم كقوله فيهم { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } إبراهيم 50 والسرابيل هي الثياب التي هي القمص ، كما قدمنا إيضاحه ، وكقوله { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } الأعراف 41 والغواشي جمع غاشية وهي غطاء كاللحاف ، وذلك هو معنى قوله هنا { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ } وقوله تعالى هنا { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } ذكره أيضاً في غير هذا الموضع كقوله { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } الدخان 48 - 49 والحميم الماء البالغ شدة الحرارة ، وكقوله تعالى { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } الكهف 29 الآية . وقوله هنا { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } أي يذاب بذلك الحميم ، إذا سقوه فوصل إلى بطونهم ، كل ما في بطونهم من الشحم والأمعاء وغير ذلك ، كقوله تعالى { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } محمد 15 والعرب تقول صهرت الشيء فانصهر ، فهو صهير أي أذبته فذاب ، ومنه قول ابن أحمر يصف تغذية قطاة لفرخها في فلاة من الأرض @ تروي لقي ألْقى في صَفْصَفٍ تَصْهره الشَّمْس فما يَنْصَهِرْ @@ أي تذيبه الشمس ، فيصبر على ذلك ، ولا يذوب ، وقوله والجلود الظاهر أنه معطوف على " ما " من قوله { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } التي هي نائب فاعل يصهر ، وعلى هذا الظاهر المتبادر من الآية ، فذلك الحميم يذيب جلودهم ، كما يذيب ما في بطونهم . لشدة حرارته . إذ المعنى يصهر به ما في بطونهم ، وتصهر به الجلود . أي جلودهم ، فالألف واللام قامتا مقام الإضافة ، وقال بعض أهل العلم والجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على تصهر ، وتقديره وتحرق به الجلود ، ونظير ذلك في تقدير العامل المحذوف الرافع الباقي معموله مرفوعاً بعد الواو قول لبيد في معلقته @ فعلا فروعُ الأَيْهقَانِ وأطفَلت بالْجَلهَتَيْنِ ظباؤُهَا ونَعامُهَا @@ يعني وباض نعامها ، لأن النعامة لا تلد الطفل ، وإنما تبيض ، بخلاف الظبية فهي تلد الطفل ، ومثاله في المنصوب قول الآخر @ إذا ما الغانياتُ برزْنَ يوماً وزجَّجْنَ الحواجِبَ والعُيونا ترى منَّا الأيور إذا رأَوْهَا قِياماً راكِعيِنَ وساجِدينا @@ يعني زججن الحواجب ، وأكحلن العيون وقوله @ ورَأيْت زوجَك في الوَغَى متقلِّداً سيفاً ورمْحاً @@ أي وحاملاً رمحاً ، لأن الرمح لا يتقلد ، وقول الآخر @ تراه كأن الله يجدعُ أنفَه وعينيه إنْ مولاه ثَابَ له وفْر @@ يعني ويفقأ عينيه ، ومن شواهده المشهورة قول الراجز . @ علَفْتها تِبناً وماءً بارداً حتى شتت همالةً عيناها @@ يعني وسقيتها ماء بارداً ، ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } الحشر 9 الآية أي وأخلصوا الإيمان ، أو ألفوا الإيمان ، ومثال ذلك في المخفوض قولهم ما كل بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة أي ولا كل سوداء تمرة ، وإلى هذه المسألة أشار في الخلاصة بقوله @ وهـــــي انفــــــردت بعطف عامل مُزال قَدْ بَقي معمولُه دفعاً لوهْمٍ اتُّقى @@ وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } المقامع جمع مقمعة بكسر الميم الأولى ، وفتح الميم الأخيرة ، ويقال مقمع بلا هاء ، وهو في اللغة حديدة كالمحجن يضرب بها على رأس الفيل وهي في الآية مرزاب عظيمة من حديد تضرب بها خزنة النار رؤوس أهل النار ، وقال بعض أهل العلم المقامع سياط من نار ، ولا شك أن المقامع المذكورة في الآية من الحديد لتصريحه تعالى بذلك ، وقوله تعالى { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّار } الحج 19 الآية نزل في المبارزين يوم بدر ، وهم حمزة بن عبدالمطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وفي أقرانهم المبارزين من الكفار وهم عتبة بن ربيعة ، وابنه الوليد بن عتبة ، وأخوه شيبة بن ربيعة ، كما ثبت في الصحيحين ، وغيرهما .