Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-2)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمر جل وعلا في أول هذه السورة الكريمة الناس بتقواه جل وعلا ، بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وبين لهم أن زلزلة الساعة شيء عظيم ، تذهل بسببه المراضع عن أولادها ، وتضع بسببه الحوامل أحمالها ، من شدة الهول والفزع ، وأن الناس يرون فيه كأنهم سكارى من شدة الخوف ، وما هم بسكارى من شرب الخمر ، ولكن عذابه شديد . وما ذكره تعالى هنا من الأمر بالتقوى ، وذكره في مواضع كثيرة جداً من كتابه ، كقوله في أول سورة النساء { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } النساء 1 إلى قوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } النساء 1 الآية والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً . وما بينه هنا من شدة أهوال الساعة ، وعظم زلزلتها ، بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } الزلزلة 1 - 4 وقوله تعالى { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } الحاقة 14 وقوله تعالى { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } النازعات 6 - 9 وقوله تعالى { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } الأعراف 187 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظم هول الساعة . وقوله في هذه الآية الكريمة { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } قد أوضحنا فيما مضى معنى التقوى بشواهده العربية ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . والزلزلة شدة التحريك والإزعاج ، ومضاعفة زليل الشيء عن مقره ومركزه أي تكرير انحرافه وتزحزحه عن موضعه ، لأن الأرض إذا حركت حركة شديدة تزلزل كل شيء عليها زلزلة قوية . وقوله { يَوْمَ تَرَوْنَهَا } منصوب بتذهل ، والضمير عائد إلى الزلزلة . والرؤية بصرية ، لأنهم يرون زلزلة الأشياء بأبصارهم ، وهذا هو الظاهر ، وقيل إنها من رأى العلمية . وقوله { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ } أي بسبب تلك الزلزلة ، والذهول الذهاب عن الأمر مع دهشة ، ومنه قول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه @ ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليلَ عن خليله @@ وقال قطرب ذهل عن الأمر اشتغل عنه . وقيل ذهل عن الأمر غفل عنه لطرو شاغل ، من هم أو مرض ، أو نحو ذلك ، والمعنى واحد ، وبقية الأقوال راجعة إلى ما ذكرنا . وقوله { كُلُّ مُرْضِعَةٍ } أي كل أنثى ترضع ولدها ، ووجه قوله مرضعة ، ولم يقل مرضع هو ما تقرر في علم العربية ، من أن الأوصاف المختصة بالإناث إن أريد بها الفعل لحقها التاء ، وإن أريد بها النسب جردت من التاء ، فإن قلت هي مرضع تريد أنها ذات رضاع ، جردته من التاء كقول امرئ القيس @ فمثلكِ حُبلى قد طرقت ومرضعا فألهيتها عن ذي تمائِمَ مغيل @@ وإن قلت هي مرضعة بمعنى ، أنها تفعل الرضاع أي تلقم الولد الثدي ، قلت هي مرضعة بالتاء ومنه قوله @ كمرضعة أولاد أُخرى وضيعت بني بطنها هذا الضلال عن القصد @@ كما أشار له بقوله @ وما من الصفات بالأنثى يخص عن تاء استغنى لأن اللفظ نص وحيث معنى الفعل يعني التاء زد كذي غدت مرضعة طفلاً ولَد @@ وما زعمه بعض النحاة الكوفيين من أن أم الصبي مرضعة بالتاء والمستأجرة للإرضاع مرضع بلا هاء باطل ، قاله أبو حيان في البحر . واستدل عليه بقوله كمرضعة أولاد أخرى البيت فقد أثبت التاء لغير الأم ، وقول الكوفيين أيضاً إن الوصف المختص بالأنثى لا يحتاج فيه إلى التاء ، لأن المراد منها الفرق بين الذكر والأنثى والوصف المختص بالأنثى لا يحتاج إلى فرق لعدم مشاركة الذكر لها فيه مردود أيضاً ، قاله أبو حيان في البحر أيضاً مستدلاً بقول العرب مرضعة ، وحائضة ، وطالقة والأظهر في ذلك هو ما قدمنا ، من أنه إن أريد الفعل جيء بالتاء ، وإن أريد النسبة جرد من التاء ، ومن مجيء التاء للمعنى المذكور قول الأعشى @ أجارتنا بينِي فإنك طالقه كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه @@ وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة فإن قلت لم قيل مرضعة دون مرضع ؟ قلت المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي . والمرضع التي شأنها أن ترضع ، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به ، فقيل مرضعة ، ليلد على أن ذلك الهول ، إذا فوجئت به هذه ، وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه ، لما يلحقها من الدهشة . وقوله تعالى { عَمَّآ أَرْضَعَتْ } الظاهر أن ما موصولة ، والعائد محذوف أي أرضعته على حد قوله في الخلاصة @ والحذف عندهم كثير منجلي في عائدٍ مُتَّصل إن انتصب بفعلٍ أو وصفٍ كمن نرجو يهب @@ وقال بعض العلماء هي مصدرية أي تذهل كل مرضعة عن إرضاعها . قال أبو حيان في البحر ويقوي كونها موصولة تعدي وضع إلى المفعول به في قوله حملها لا إلى المصدر . وقوله { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } أي كل صاحبة حمل تضع جنينها ، من شدة الفزع ، والهول ، والحمل بالفتح ما كان في بطن من جنين ، أو على رأس شجرة من ثمر { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } جمع سكران أي يشبههم من رآهم بالسكارى ، من شدة الفزع { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } من الشراب { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } والخوف منه هو الذي صيَّر من رآهم يشبههم بالسكارى ، لذهاب عقولهم ، من شدة الخوف ، كما يذهب عقل السكران من الشراب . وقرأ حمزة والكسائي { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } بفتح السين ، وسكون الكاف في الحرفين على وزن فعلى بفتح فسكون . وقرأه الباقون { سُكَارَىٰ } بضم السين ، وفتح الكاف بعدها ألف في الحرفين أيضاً ، وكلاهما جمع سكران على التحقيق . وقيل إن سكرى بفتح فسكون جمع سكر بفتح فكسر بمعنى السكران ، كما يجمع الزمن على الزمنى ، قاله أبو علي الفارسي ، كما نقله عنه أبو حيان في البحر . وقيل إن سكرى مفرد ، وهو غير صواب . واستدلال المعتزلة بهذه الآية الكريمة على أن المعدوم يسمى شيئاً ، لأنه وصف زلزلة الساعة ، بأنها شيء في حال عدمها قبل وجودها . قد بينا وجه رده في سورة مريم ، فأغنى عن إعادته هنا . مسألة اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا ، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة ، أو هي عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من القبور ؟ فقالت جماعة من أهل العلم هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا ، وأول أحوال الساعة ، وممن قال بهذا القول علقمة ، والشعبي ، وإبراهيم ، وعبيد بن عمير ، وابن جريج . وهذا القول من حيث المعنى له وجه من النظر ، ولكنه لم يثبت ما يؤيده من النقل ، بل الثابت من النقل يؤيد خلافه . وهو القول الآخر . وحجة من قال بهذا القول حديث مرفوع ، جاء بذلك ، إلا أنه ضعيف لا يجوز الاحتجاج به . قال ابن جرير الطبري في تفسيره مبيناً دليل من قال إن الزلزلة المذكورة في آخر الدنيا قبل يوم القيامة حدثنا أبو كريب قال حدثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما فرغ الله من خلق السمواتِ والأرضِ خلق الصُّور فأعطى إسرافيلَ فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى السماء ينظر متى يؤمر " قال أبو هريرة يا رسول الله ، وما الصُّور ؟ قال " قرن " ، قال وكيف هو ؟ قال " قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات ، الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين " " ، يأمر الله عزوجل إسرافيل بالنَّفخة الأولى انفخ نفخة الفزع فتفزع أهل السموات والأرضِ إلا من شاء الله ويأمره الله فيديمها ويطولها فلا يفتر ، وهي التي يقول الله { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } ص 15 فيسير الله الجبال فتكون سراباً ، وترج الأرض بأهلها رجّاً ، وهي التي يقول الله { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } النازعات 6 - 8 فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ، ترججه الأرواح ، فتميد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضاً ، وهو الذي يقول الله { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } غافر 32 - 33 فبينما هم على ذلك ، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر فرأوا أمراً عظيماً ، وأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ، ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمُهل ، ثم خسفت شمسها ، وخسف قمرها ، وانتثرت نجومها ، ثم كشطت عنهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " فقال أبو هريرة فمن استثنى الله حين يقول { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } النمل 87 قال " أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وأمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه " ، وهو الذي يقول { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } إلى قوله { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } الحج 1 - 2 انتهى منه . ولا يخفى ضعف الإسناد المذكور كما ترى . وابن جرير رحمه الله قبل أن يسوق الإسناد المذكور قال ما نصه وقد روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال هؤلاء خبر في إسناده نظر ، وذلك ما حدثنا أبو كريب إلى آخر الإسناد ، كما سقناه عنه آنفاً . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية وقد أورد الإمام أبو جعفر بن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور ، من رواية إسماعيل بن رافع ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ساق الحديث نحو ما ذكرناه بطوله ، ثم قال هذا الحديث قد رواه الطبراني وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وغير واحد مطولاً جداً . والغرض منه أنه دلَّ على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم القيامة أضيفت إلى الساعة لقربها منها ، كما يقال أشراط الساعة ، ونحو ذلك والله أعلم . انتهى منه . وقد علمت ضعف الإسناد المذكور . وأما حجة أهل القول الآخر القائلين بأن الزلزلة المذكورة كائنة يوم القيامة بعد البعث من القبور ، فهي ما ثبت في الصحيح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من تصريحه بذلك . وبذلك تعلم أن هذا القول هو الصواب كما لا يخفى . قال البخاري رحمه الله في صحيحه في التفسير في باب قوله { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال قال النَّبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله عز وجل يوم القيامة يا آدمُ ، فيقول لبيك ربَّنا وسعديك ، فَيُنادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال يا رب ، وما بعث النار ؟ قال من كل ألف أراه ، قال تسعمائة وتسعة وتسعين ، فحينئذ تضع الحامل حملها ، ويشيب الوليد ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد . فشق ذلك على الناس ، حتى تغيرت وجوههم ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ، ومنكم واحد ، وأنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فكبرنا ثم قال ثلث أهل الجنة ، فكبرنا ثم قال شطر أهل الجنة ، فكبرنا " . وقال أبو أسامة ، عن الأعمش { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وقال جرير ، وعيسى بن يونس ، وأبو معاوية { سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } انتهى من صحيح البخاري . وفيه تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم بأن الوقت الذي تضع فيه الحامل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى هو يوم القيامة لا آخر الدنيا . وقال البخاري في صحيحه أيضاً في كتاب الرقاق في باب { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } حدثني يوسف بن موسى ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال " يقول الله يا آدم ، فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك ، قال يقول أخرج بعث النار قال وما بعث النار ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فذلك حين يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى . ولكن عذاب الله شديد . فاشتد ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل قال " ابشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ، ومنكم رجل ، ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فحمدنا الله وكبرنا ، ثم قال والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة ، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، أو كالرقمة في ذراع الحمار " " انتهى منه . ودلالته على المقصود ظاهرة . وقال البخاري أيضاً في صحيحه في كتاب بدء الخلق في أحاديث الأنبياء في باب قول الله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } الكهف 83 إلى قوله { سَبَباً } الكهف 84 حدثنا إسحاق بن نصر ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، حدثنا أبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله تعالى يا آدم ، فيقول لبيك ، وسعديك ، والخير في يديك ، فيقول أخرج بعث النار ، قال وما بعث النار ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فعنده يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " إلى آخر الحديث نحو ما تقدم . وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه في آخر كتاب الإيمان بكسر الهمزة في باب بيان كون هذه الأمة نصف أهل الجنة حدثنا عثمان بن أبي شيبة العبسي ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله عز وجل يا آدم ، فيقول لبيك ، وسعديك ، والخير في يديك ، قال يقول أخرج بعث النار ، قال وما بعث النار ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، قال فذلك حين يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد " إلى آخر الحديث نحو ما تقدم . فحديث أبي سعيد هذا الذي اتفق عليه الشيخان كما رأيت ، فيه التصريح من النَّبي صلى الله عليه وسلم بأن الوقت الذي تضع فيه كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ، وما هم سكارى ، بعد القيام من القبور كما ترى ، وذلك نص صحيح صريح في محل النزاع . فإن قيل هذا النص فيه إشكال ، لأنه بعد القيام من القبور لا تحمل الإناث ، حتى تضع حملها من الفزع ، ولا ترضع ، حتى تذهل عما أرضعت . فالجواب عن ذلك من وجهين الأول هو ما ذكره بعض أهل العلم ، من أن من ماتت حاملاً تبعث حاملاً ، فتضع حملها من شدة الهول والفزع ، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك ، ولكن هذا يحتاج إلى دليل . الوجه الثاني أن ذلك كناية عن شدة الهول كقوله تعالى { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } المزمل 17 ومثل ذلك من أسباب اللغة العربية المعروفة . تنبيه اعلم أن هذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا بعضها يرد عليه سؤال ، وهو أن يقال إذا كانت الزلزلة المذكورة بعد القيام من القبور ، فما معناها ؟ والجواب أن معناها شدة الخوف ، والهول ، والفزع ، لأن ذلك يسمى زلزالاً ، بدليل قوله تعالى فيما وقع بالمسلمين يوم الأحزاب من الخوف { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } الأحزاب 10 - 11 أي وهو زلزال فزع وخوف ، لا زلزال حركة الأرض ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } يدل على أن عظم الهول يوم القيامة موجب واضح للاستعداد لذلك الهول بالعمل الصالح ، في دار الدنيا ، قبل تعذر الإمكان لما قدمنا مراراً من أن إن المشددة المكسورة تدل على التعليل ، كما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه ، ومسلك النص الظاهر أي اتقوا الله ، لأن أمامكم أهوالاً عظيمة ، لا نجاة منها إلا بتقواه جل وعلا .