Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 36-36)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } . قد قدمنا أنه تعالى أمر بالأكل من بهيمة الأنعام : وهي الإبل والبقر والغنم بأنواعها الثمانية ، وأمر بإطعام البائس الفقير منها . وأمر بالأكل من البدن وإطعام القانع والمعتر منها ، وما كان من الإبل فهو من البدن بلا خلاف . واختلفوا في البقرة ، هل هي بدنة ، وقد قدمنا الحديث الصحيح : أن البقرة من البدن ، وقد قدمنا أيضاً ما يدل على أنها غير بدنة ، وأظهرهما أنها من البدن ، وللعلماء في تفسير القانع والمعتر أقوال متعددة متقاربة أظهرها عندي : أن القانع هو الطامع الذي يسأل أن يعطى من اللحم ومنه قول الشماخ : @ لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع @@ يعني أعف من سؤال الناس ، والطمع فيهم ، وأن المعتر هو الذي يعتري متعرضاً للإعطاء من غير سؤال وطلب ، والله أعلم وقد قدمنا حكم الأكل من أنواع الهدايا والضحايا ، وأقوال أهل العلم في ذلك بما أغنى عن إعادته هنا . قوله تعالى : { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . قوله كذلك : نعت لمصدر : أي سخرناها أي البدن لكم تسخيراً كذلك : أي مثل ذلك التسخير الذي تشاهدون : أي ذللناها لكم ، وجعلناها منقادة لكم تفعلون بها ما شئتم من نحر وركوب ، وحلب وغير ذلك من المنافع ، ولولا أن الله ذللها لكم لم تقدروا عليها ، لأنها أقوى منكم ألا ترى البعير ، إذا توحش صار صاحبه غير قادر عليه ، ولا متمكن من الانتفاع به . وقوله هنا : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } قد قدمنا مراراً أن لعل تأتي في القرآن لمعان أقربها . اثنان : أحدهما : أنها بمعناها الأصلي ، الذي هو الترجي والتوقع ، وعلى هذا فالمراد بذلك خصوص الخلق لأنهم هم الذي يترجى منهم شكر النعم من غير قطع ، بأنهم يشكرونها أو لا ينكرونها لعدم علمهم بما تؤول إليه الأمور ، وليس هذا المعنى في حق الله تعالى لأنه عالم بما سيكون فلا يجوز في حقه جل وعلا إطلاق الترجي والتوقع لتنزيهه عن ذلك ، وإحاطة علمه بما ينكشف عنه الغيب ، وقد قال تعالى لموسى وهارون : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] أي على رجائكما وتوقعكما أنه يتذكر أو يخشى ، مع أن الله عالم في سابق أزله أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى ، فمعنى لعل بالنسبة إلى الخلق ، لا إلى الخالق جل وعلا . المعنى الثاني : هو ما قدمنا من أن بعض أهل العلم ، قال : كل لعل في القرآن فهي للتعليل إلا التي في سورة الشعراء { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } [ الشعراء : 129 ] قال : فهي بمعنى : كأنكم تخلدون . وإتيان لفظة لعل للتعليل معروف في كلام العرب . وقد قدمناه موضحاً مراراً وقد قدمنا من شواهده العربية قول الشاعر : @ فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثق @@ يعني كفوا الحروب لأجل أن نكف ، وإذا علمت أن هذه الآية الكريمة بين الله فيها أن تسخيره الأنعام لبني آدم نعمة من إنعامه ، تستوجب الشكر لقوله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . فاعلم : أنه بين هذا في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } [ يس : 71 - 73 ] وقوله في آية يس : هذه : { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } كقوله في آية الحج { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى قريباً : { سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } [ الحج : 37 ] الآية ، وقد قدمنا معنى شكر العبد لربه وشكر الرب لعبده ، مراراً بما أغنى عن إعادته هنا والتسخير التذليل .