Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 50-51)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الذين آمنوا به وبرسله ، وكل ما يجب الإيمان به ، وعملوا الفعلات الصالحات من امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي لهم من الله مغفرة لذنوبهم ، ورزق كريم : أي حسن ، هو ما يرزقهم من أنواع النعيم في جناته ، وأن الذي عملوا بخلاف ذلك فهم أصحاب الجحيم : أي النار الشديد حرها ، وفي هذه الآية وعد لمن أطاعه ووعيد لمن عصاه . والآيات بمثل ذلك في القرآن كثيرة كقوله تعالى { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [ الحجر : 49 - 50 ] وقوله { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ } [ غافر : 3 ] الآية إلى غير ذلك من الآيات ، وقد أوضحناها في غير هذا الموضع وقوله في هذه الآية الكريمة { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } قال مجاهد : معاجزين يثبطون الناس عن متابعة النَّبي صلى الله عليه وسلم وكذا قال عبد الله بن الزبير : مثبطين . وقال ابن عباس : معاجزين أي مغالبين ومشاقين ، وعن الفراء معاجزين : معاندين . وعن الأخفش معاجزين : معاندين مسابقين ، وعن الزجاج معاجزين : أي ظانين أنهم يعجزوننا ، لأنهم ظنوا ألا بعث ، وأن الله لا يقدر عليهم . واعلم : أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين قرأه الجمهور : معاجزين بألف بين العين والجيم بصيغة المفاعلة اسم فاعل عاجزه ، وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو : معجزين بلا ألف مع تشديد الجيم المكسورة على صيغة اسم الفاعل من عجزه . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الظاهر بحسب الوضع العربي في قراء الجمهور معاجزين : هو اقتضاء طرفين ، لأن الظاهر لا يعدل عنه إلا لدليل يجب الرجوع إليه ، والمفاعلة تقتضي الطرفين إلا لدليل يصرف عن ذلك ، واقتضاء المفاعلة الطرفين في الآية من طريقين . الأولى : هي ما قاله ابن عرفة من أن معنى معاجزين في الآية أنهم يعاجزون الأنبياء وأتباعهم ، فيحاول كل واحد منهما إعجاز الآخر فالأنبياء وأتباعهم ، يحاولون إعجاز الكفار وإخضاعهم لقبول ما جاء عن الله تعالى ، والكفار يقاتلون الأنبياء ، وأتباعهم ، ويمانعونهم ، ليصيروهم إلى العجز عن أمر الله . وهذا الوجه ظاهر كما قال تعالى { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ } [ البقرة : 217 ] وعليه فمفعول معاجزين محذوف : أي معاجزين الأنبياء وأتباعهم ، أي مغالبين لهم ، ليعجزوهم عن إقامة الحق . الطريقة الثانية : هي التي ذكرناها آنفاً عن الزجاج أن معنى معاجزين : ظانين أنهم يعجزون ربهم ، فلا يقدر عليهم لزعمهم أنه لا يقدر على بعثهم بعد الموت كما قال تعالى { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } [ التغابن : 7 ] وكما قال تعالى { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] وقال تعالى عنهم إنهم قالوا { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ الأنعام : 29 ] { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } [ الدخان : 35 ] وعلى هذا القول فالكفار معاجزين الله في زعمهم الباطل ، وقد بين تعالى في آيات كثيرة أن زعمهم هذا كاذب ، وأنهم لا يعجزون ربهم بحال كقوله تعالى { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } [ التوبة : 2 ] وقوله { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ التوبة : 3 ] وقوله : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ العنكبوت : 22 ] الآية وقوله تعالى في الجن { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } [ الجن : 12 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا أن مما يوضح هذا الوجه الأخير قول كعب بن مالك رضي الله عنه : @ زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب @@ ومراده بسخينة قريش : يعني أنهم يحاولون غلبة ربهم ، والله غالبهم بلا شك والوجه الأول أظهر . وأما على قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو : معجزين بكسر الجيم المشددة ، بلا ألف ، فالأظهر أن المعنى معجزين : أي مثبطين من أراد الدخول في الإيمان عن الدخول فيه ، وقيل معجزين من اتبع النَّبي صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك : أنهم ينسبونهم إلى العجز من قولهم : عجزه بالتضعيف إذا نسبه إلى العجز الذي هو ضد الحزم ، يعنون أنهم يحسبون المسلمين سفهاء لا عقول لهم ، حيث ارتكبوا أمراً غير الحزم والصواب ، وهو اتباع دين الإسلام في زعمهم كما قال تعالى عن إخوانهم المنافقين { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ } [ البقرة : 13 ] الآية وقوله في هذه الآية الكريمة { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا } . اعلم أولاً : أن السعي يطلق على العمل في الأمر لإفساده وإصلاحه ، ومن استعماله في الإفساد قوله تعالى هنا : { سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا } أي سعوا في إبطالها وتكذيبها بقولهم : إنها سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين ، ونحو ذلك . ومن إطلاق السعي في الفساد أيضاً قوله تعالى { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا } [ البقرة : 205 ] الآية ومن إطلاق السعي في العمل للإصلاح قوله تعالى { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } [ الإنسان : 22 ] وقوله { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ وَهُوَ يَخْشَىٰ } [ عبس : 8 - 9 ] الآية إلى غير ذلك من الآيات . ومن إطلاق السعي على الخير والشر معاً قوله تعالى { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 4 ] إلى قوله : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [ الليل : 11 ] وهذه الآية التي ذكرها هنا في سورة الحج التي هي قوله تعالى { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } جاء معناها واضحاً في سورة سبأ في قوله تعالى { لِّيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } [ سبأ : 4 - 5 ] فالعذاب من الرجز الأليم المذكور في سبأ هو عذاب الجحيم المذكور في الحج .