Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 63-63)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الظاهر : أن " تر " هنا من رأى بمعنى : علم . لأن إنزال المطر وإن كان مشاهداً بالبصر فكون الله هو الذي أنزله ، إنما يدرك بالعلم لا بالبصر . فالرؤية هنا علمية عَلَى التحقيق . فالمعنى : ألم تعلم الله منزلاً من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة : أي ذات خضرة بسبب النبات الذي ينبته الله فيها بسبب إنزاله من الماء من السماء ، وهذه آية من آياته وبراهين قدرته عَلَى البعث كما بيناه مراراً . وهذا المعنى المذكور هنا من كون إنبات نبات الأرض ، بإنزاله الماء من آياته الدالة ، عَلَى كمال قدرته جاء موضحاً في آيات كثيرة ، كقوله تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [ فصلت : 39 ] ثم بين أن ذلك من براهين البعث بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } [ فصلت : 39 ] وكقوله : { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَةِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } [ الروم : 50 ] ثم بين أن ذلك من براهين البعث بقوله : { إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الروم : 50 ] وقوله : { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } [ ق : 9 - 11 ] ثم بين أن ذلك من براهين البعث بقوله : { كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } [ ق : 11 ] أي خروجكم من قبوركم أحياء بعد الموت ، كقوله : { وَيُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } [ الروم : 19 ] وقوله : { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } [ ق : 11 ] { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] والآيات بمثل هذا كثيرة . تنبيه في هذه الآية الكريمة سؤالان معروفان : الأول : هو ما حكمة عطف المضارع في قوله : فتصبح على الماضي الذي هو أنزل ؟ السؤال الثاني : ما وجه الرفع في قوله : فتصبح مع أن قبلها استفهاماً ؟ فالجواب عن الأول : أن النكتة في المضارع هي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان كما تقول : أنعم على فلان عام كذا وكذا ، فأروح وأغدو شاكراً له ، ولو قلت : فغدوت ورحت ، لم يقع ذلك الموقع ، هكذا أجاب به الزمخشري . والذي يظهر لي والله أعلم : أن التعبير بالمضارع يفيد استحضار الهيأة التي اتصفت بها الأرض : بعد نزول المطر ، والماضي لا يفيد دوام استحضارها لأنه يفيد انقطاع الشيء ، أما الرفع في قوله : فتصبح ، فلأنه ليس مسبباً عن الرؤية التي هي موضع الاستفهام ، وإنما هو مسبب الإنزال في قوله : أنزل ، والإنزال الذي هو سبب إصباح الأرض مخضرة ليس فيه استفهام ، ومعلوم أن الفاء التي ينصب بعدها المضارع إن حذفت جاز جعل مدخولها جزاء للشرط ، ولا يمكن أن تقول هنا : إن تر أن الله أنزل من السماء ماء ، تصبح الأرض مخضرة ، لأن الرؤية لا أثر لها ألبتة في اخضرار الأرض ، بل سببه إنزال الماء لا رؤية إنزاله . وقد قال الزمخشري في الكشاف في الجواب عن هذا السؤال : فإن قلت : فما له رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام . قلت : لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض ، لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار . مثاله : أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر ، إن تنصبه فأنت ناف لشكره شاك تفريطه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر ، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب ، وتوقير أهله . انتهى منه . وذكر نحوه أبو حيان وفسره ظاناً أنه أوضحه ، ولا يظهر لي كل الظهور ، والعلم عند الله تعالى . فإن قيل : كيف قال : فتصبح مع أن اخضرار الأرض ، قد يتأخر عن صبيحة المطر . فالجواب : أنه على قول من قال : فتصبح الأرض مخضرة : أي تصير مخضرة فالأمر واضح ، والعرب تقول : أصبح فلان غنياً مثلاً بمعنى صار . وذكر أبو حيان عن بعض أهل العلم : أن بعض البلاد تصبح فيه الأرض مخضرة في نفس صبيحة المطر . ذكره عكرمة وابن عطية وعلى هذا فلا إشكال . وقال بعضهم : إن الفاء للتعقيب ، وتعقيب كل شيء بحسبه كقوله : { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } [ المؤمنون : 14 ] مع أن بين ذلك أربعين يوماً كما في الحديث ، قاله ابن كثير . وقوله : لطيف خبير : أي لطيف بعباده ، ومن لطفه بهم إنزاله المطر وإنباته لهم به أقواتهم ، خبير بكل شيء ، لا يغرب عن عمله مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض سبحانه وتعالى علواً كبيراً .