Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآيات التي ابتدأ بها أول هذه السورة علامات المؤمنين المفلحين فقال { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } أي فازوا وظفروا بخير الدنيا والآخرة . وفلاح المؤمنين مذكور ذكراً كثيراً في القرآن كقوله { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] وقوله { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } أصل الخشوع : السكون ، والطمأنينة ، والانخفاض ومنه قول نابغة ذبيان : @ رماد ككحل العين لأياً أبينه ونؤى كجذم الحوض أثلم خاشع @@ وهو في الشرع : خشية من الله تكون في القلب ، فتظهر آثارها على الجوارح . وقد عد الله الخشوع من صفات الذين أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً في قوله في الأحزاب { وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] إلى قوله { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] . وقد عد الخشوع في الصلاة هنا من صفات المؤمنين المفلحين ، الذين يرثون الفردوس ، وبين أن من لم يتصف بهذا الخشوع تصعب عليه الصلاة في قوله { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] وقد استدل جماعة من أهل العلم بقوله { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } على أن من خشوع المصلي : أن يكون نظره في صلاته إلى موضع سجوده ، قالوا : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى السماء في الصلاة , فأنزل الله { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر حيث يسجد . وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج ابن مردويه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة " أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } فطأطأ رأسه " اهـ منه . وأكثر أهل العلم على أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده ، ولا يرفع بصره . وخالف المالكية الجمهور ، فقالوا : إن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 144 ] قالوا : فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء ، وذلك ينافي كمال القيام . وظاهر قوله تعالى { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } لأن المنحني بوجهه إلى موضع سجوده ، ليس بمول وجهه شطر المسجد الحرام ، والجمهور على خلافهم كما ذكرنا . واعلم أن معنى أفلح : نال الفلاح ، والفلاح يطلق في لغة العرب على معنيين : الأول : الفوز بالمطلوب الأكبر ، ومنه قول لبيد : @ فاعقلي إن كنت لما تعقلي ولقد أفلح من كان عقل @@ أي فاز من رزق العقل بالمطلوب الأكبر . والثاني : هو إطلاق الفلاح على البقاء السرمدي في النعيم ، ومنه قول لبيد أيضاً في رجز له : @ لو أن حياً مدرك الفلاح لناله ملاعب الرماح @@ يعني مدرك البقاء ، ومنه بهذا المعنى قول كعب بن زهير ، أو الأضبط بن قريع : @ لكل هم من الهوم سعه والمسى والصبح لا فلاح معه @@ أي لا بقاء معه ، ولا شك أن من اتصف بهذه الصفات التي ذكرها الله في أول هذه السورة الكريمة دخل الجنة كما هو مصرح به في الآيات المذكورة ، وأن من دخل الجنة نال الفلاح بمعنييه المذكورين ، والمعنيان اللذان ذكرنا للفلاح بكل واحد منهما ، فسر بعض العلماء حديث الأذان والإقامة في لفظة : حي على الفلاح .