Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 44-44)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه بعد إرسال نوح والرسول المذكور بعده أرسل رسله تترى : أي متواترين واحداً بعد واحداً ، وكل متتابع تسميه العرب متواتراً ، ومنه قول لبيد في معلقته : @ يعلو طريقة متنها متواتر في ليلة كفر النجوم غمامها @@ يعني : مطراً متتابعاً ، أو غبار ريح متتابعاً ، وتاء تترى مبدلة من الواو ، وأنه كل ما أرسل رسولاً إلى أمة كذبوه فأهلكهم ، وأتبع بعضهم بعضاً في الإهلاك المستأصل بسبب تكذيب الرسل . وهذا المعنى المذكور في هذه الآية الكريمة : جاء موضحاً في آيات كثيرة . وقد بينت آية استثناء أمة واحدة من هذا الإهلاك المذكور . أما الآيات الموضحة لما دلت عليه هذه الآية فهي كثيرة جداً كقوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ سبأ : 34 ] وقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] وقوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } [ الأعراف : 94 - 95 ] الآية والآيات بمثل هذا كثيرة جداً . أما الآية التي بينت استثناء أمة واحدة من هذه الأمم فهي قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ يونس : 98 ] الآية . وظاهر آية الصافات أنهم آمنوا إيماناً حقاً ، وأن الله عاملهم به معاملة المؤمنين ، وذلك في قوله في يونس { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ الصافات : 147 - 148 ] لأن ظاهر إطلاق قوله : فآمنوا ، يدل على ذلك . والعلم عند الله تعالى . ومن الأمم التي نص على أنه أهلكها وجعلها أحاديث سبأ ، لأنه تعالى قال فيهم : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } [ سبأ : 19 ] الآية وقوله { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي أخباراً وقصصاً يسمر بها ، ويتعجب منها ، كما قال ابن دريد في مقصورته : @ وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى @@ وقرأ هذا الحرف ابن كثير ، وأبو عمرو : تترا بالتنوين ، وهي لغة كنانة ، والباقون بألف التأنيث المقصورة من غير تنوين : وهي لغة أكثر العرب ، وسهل ونافع وابن كثير وأبو عمر والهمزة الثانية من قوله : جاء أمة ، وقرأها الباقون بالتحقيق ، كما هو معلوم وقوله { فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } مصدر لا يظهر عامله ، وقد بعد بعداً بفتحتين ، وبعداً بضم فسكون : أي هلك فقوله : بعدا : أي هلاكا مستأصلاً ، كما قال تعالى { أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } [ هود : 95 ] قال الشاعر : @ قل الغناء إذا لاقى الفتى تلفا قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا @@ وقد قال سيبويه : إن بعداً وسحقاً ودفراً أي نتنا من المصادر المنصوبة بأفعال لا تظهر . اهـ ومن هذا القبيل قولهم : سقيا ورعيا ، كقول نابغة ذبيان : @ نبئت نعما على الهجران عاتية سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري @@ والأحاديث في قوله : فجعلناهم أحاديث في مفرده وجهان معروفان . أحدهما : أنه جمع حديث كما تقول : هذه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تريد بالأحاديث جمع حديث ، وعلى هذا فهو من الجموع الجارية على غير القياس المشار لها بقول ابن مالك في الخلاصة : @ وحائد عن القياس كل ما خالف في البابين حكماً رسما @@ يعني بالبابين : التكسير والتصغير ، كتكسير حديث على أحاديث وباطل على أباطيل ، وكتصغير مغرب ، على مغيربان ، وعشية على عشيشية . وقال بعضهم : إنها اسم جمع للحديث . الوجه الثاني : أن الأحاديث جمع أحدوثة التي هي مثل : أضحوكة ، وألعوبة ، وأعجوبة بضم الأول ، وإسكان الثاني : وهي ما يتحدث به الناس تلهياً ، وتعجباً ومنه بهذا المعنى قول توبة بن الحمير : @ من الخفرات البيض ود جليسها إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها @@ وهذا الوجه أنسب هنا لجريان الجمع فيه على القياس ، وجزم به الزمخشري . والعلم عند الله تعالى .