Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 57-57)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } . نهى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يحسب أي يظن الذين كفروا معجزين في الأرض ، ومفعول معجزين محذوف : أي لا يظنهم معجزين ربِّهم ، بل قادر على عذابهم لا يعجز عن فعل ما أراد بهم لأنه قادر على كل شيء . وما دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبيّناً في آيات أخر كقوله تعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِين } [ التوبة : 2 ] وقوله تعالى : { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ التوبة : 3 ] وقوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ العنكبوت : 4 ] وقوله تعالى : { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [ يونس : 53 ] . وقوله تعالى : { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ العنكبوت : 21ـ22 ] الآية . وقوله في الشورى : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [ الشورى : 31 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قرأه ابن عامر وحمزة : { لا يحسبن } بالياء المثناة التحتية على الغيبة . وقرأه باقي السبعة : { لاَ تَحْسَبَنَّ } بالتاء الفوقية . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة بفتح السين وباقي السبعة بكسرها . والحاصل أن قراءة ابن عامر وحمزة بالياء التحتية وفتح السين ، وقراءة عاصم بالتاء الفوقية وفتح السين ، وقراءة الباقين من السبعة بالتاء الفوقية وكسر السين ، وعلى قراءة من قرأ بالتاء الفوقية فلا إشكال في الآية مع فتح السين وكسرها ، لأن الخطاب بقوله : لا تحسبن للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُوا } هو المفعول الأوّل . وقوله : { مُعْجِزِين } هو المفعول الثاني لتحسبَنَّ . وأما على قراءة : ( لا يحسبن ) بالياء التحتية ففي الآية إشكال معروف وذكر القرطبي الجواب عنه من ثلاثة أوجه : الأول : أن قوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُوا } في محل رفع فاعل ( يحسبن ) ، والمفعول الأوّل محذوف تقديره : ( أنفسهم ) . و ( معجزين ) : مفعول ثان : أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين الله في الأرض ، وعزا هذا القول للزجاج ، والمفعول المحذوف قد تدّل عليه قراءة من قرأ بالتاء الفوقيّة كما لا يخفى ، ومفعولا الفعل القلبي يجوز حذفهما أو حذف أحدهما إن قام عليه دليل كما أشار له ابن مالك في الخلاصة بقوله : @ ولا تجز هنا بلا دليل سقوط مفعولين أو مفعول @@ ومثال حذف المفعولين معاً مع قيام الدليل عليهما في قوله تعالى : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 و 74 ] أي تزعمونهم شركائي . وقول الكُمَيت : @ بأيِّ كتابٍ أمْ بأيَّةِ سُنَّةٍ تَرَى حُبَّهم عاراً علَيَّ وتَحْسَبُ @@ أي وتحسب حبهم عاراً عليَّ ، ومثال حذف أحد المفعولين قول عنترة : @ ولقد نزلت فلا تظنِّي غيره مني بمنزلة المحبّ المكرم @@ أي لا تظني غيره واقعاً . الجواب الثاني : أن فاعل ( يحسبن ) النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنّه مذكور في قوله تعالى قبله { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [ النور : 54 ] أي لا يحسبن محمد صلى الله عليه وسلم الذين كفروا معجزين . وعلى هذا فالذين كفروا مفعول أوّل ، ومعجزين مفعول ثان . وعزا هذا القول للفراء ، وأبي علي . الجواب الثالث : أن المعنى : لا يحسبن الكفار الذين كفروا معجزين في الأرض وعزا هذا القول لعلي بن سليمان ، وهو كالذي قبله ، إلا أن الفاعل في الأول النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الثاني الكافر . وقال الزمخشري : وقرئ ( لا يحسبن ) بالياء وفيه أوجه أن يكون معجزين في الأرض هما المفعولان . والمعنى : لا يحسبن الذين كفروا أحداً يعجز الله في الأرض ، حتى يطمعوا هم في مثل ذلك ، وهذا معنى قوي جيد ، وأن يكون فيه ضمير الرسول لتقدم ذكره في قوله : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } وأن يكون الأصل : لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين ، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول ، وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيء واحد ، اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث . اهـ . وما ذكره النحاس وأبو حاتم وغيرهما من أن قرأءة من قرأ : ( لا يحسبن ) بالياء التحتية خطأ أو لحن كلام ساقط لا يلتفت إليه ، لأنها قراءة سبعية ثابتة ثبوتاً لا يمكن الطعن فيه ، وقرأ بها من السبعة : ابن عامر ، وحمزة كما تقدم . وأظهر الأجوبة عندي : أن معجزة في الأرض هما المفعولان ، فالمفعول الأول معجزين ، والمفعول الثاني دل عليه قوله : { فِي ٱلأَرْضِ } ، أي لا تحسبن معجزين الله موجودين أو كائنين في الأرض ، والعلم عند الله تعالى .