Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 24-24)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة : أن حساب أهل الجنة يسير ، وأنه ينتهي في نصف نهار ، ووجه ذلك أن قوله : مقيلاً : أي مكان قيلولة وهي الاستراحة في نصف النهار ، قالوا : وهذا الذي فهم من هذه الآية الكريمة ، جاء بيانه في قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } [ الإنشقاق : 7ـ9 ] . ويفهم من قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } الآية . أن أصحاب النار ليسوا كذلك وأن حسابهم غير يسير . وهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى قريباً من هذه الآية { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } [ الفرقان : 26 ] فقوله : على الكافرين يدل على أنه على المؤمنين غير عسير ، كما قال تعالى : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] الآية . وقوله تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } [ المدّثّر : 8ـ10 ] وقوله تعالى : { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [ القمر : 8 ] وإذا علمت مما ذكرنا ما جاء من الآيات فيه بيان لقوله : أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً ، فهذه أقوال بعض المفسرين في المعنى الذي ذكرنا في الآية . قال صاحب الدر المنثور : " وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } قال " في الغرف من الجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة ، وذلك الحساب اليسير ، وذلك مثل قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } [ الإنشقاق : 7ـ9 ] وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه عن ابن مسعود قال " لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ : " { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } وقرأ ( ثّمّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإلَى الجَحِيم ) وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما هي ضحوة . فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين . وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر ، وأبو نعيم ، في الحلية ، عن إبراهيم النخعي : كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة ، نصف النهار . فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فذلك قوله { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } . وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن الصواف قال : بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمنن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة ، حين يفرغ الناس من الحساب ، وذلك قوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } إلى أن قال : وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ، وأهل النار ، النار ، الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبر ، إذ انقلب الناس إلى أهليهم ، للقيلولة ، فينصرف أهل النار إلى النار ، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة ، فكانت قيلولتهم في الجنة ، وأطعموا كبد الحوت فأشبعهم كلهم فذلك قوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } انتهى منه . وذكر نحوه القرطبي مرفوعاً وقال : ذكره المهدوي . والظاهر أنه لا يصح مرفوعاً ، وقال القرطبي أيضاً : وذكر قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ " فقلت : ما أطول هذا اليوم . فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة " وهو ضعيف أيضاً ، وما ذكره عن ابن مسعود من أنه قرأ : ( ثّمّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإلَى الجَحِيم ) معلوم أن ذلك ذلك شاذ لا تجوز القراءة به ، وأن القراءة الحق { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 68 ] . واعلم أن قول قتادة في هذه الآية معروف مشهور ، وعليه فلا دليل في الآية لما ذكرنا ، وقول قتادة هو أن معنى قوله : { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } أي منزلاً ومأوى ، وهذا التفسير لا دليل فيه على القيلولة في نصف النهار كما ترى . وقد بينا في كتابنا : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب : وجه الجمع بين ما دل عليه قوله هنا : { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } من انقضاء الحساب في نصف نهار ، وبين ما دل عليه قوله تعالى : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] وذكرنا الآيات المشيرة إلى الجمع ، وبعض الشواهد العربية . واعلم أن المشهور في كلام العرب أن المقيل القيلولة أو مكانها ، وهي الاستراحة نصف النهار زمن الحر مثلاً ، وإن لم يكن معها نوم ، ومنه قوله : @ جزى الله خير الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد @@ أي نزلا فيها وقت القائلة ، كما قاله صاحب اللسان ، وما فسر به قتادة الآية ، من أن المقيل المنزل والمأوى ، معروف أيضاً في كلام العرب . ومنه قول ابن رواحة : @ اليوم نضربكم على تنزيله ضرباً يزيل الهام عن مقيله @@ فقوله : يزيل الهام عن مقيله ، يعني : الرؤوس عن مواضعها من الأعناق ، ومعلوم أن المقيل فيه المحل الذي تسكن في الرؤوس والظاهر أن من هذا القبيل قول أحيحة بن الجلاح الأنصاري : @ وما تدري وإن أجمعت أمراً بأي الأرض يدركك المقيل @@ وعليه فالمعنى : بأي الأرض يدركك الثواء والإقامة بسبب الموت أو غيره من الأسباب ، وصيغة التفضيل في قوله هنا : { خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } تكلمنا على مثلها قريباً في الكلام على قوله تعالى : { قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } [ الفرقان : 15 ] الآية .