Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 50-50)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التحقيق أن الضمير في قوله : ولقد صرفناه ، راجع إلى ماء المطر المذكور في قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } [ الفرقان : 48 ] كما روي عن ابن عباس وابن مسعود ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وغير واحد ، خلافاً لمن قال : إن الضمير المذكور راجع إلى القرآن كما روي عن عطاء الخراساني وصدر به القرطبي ، وصدر الزمخشري بما يقرب منه . وإذا علمت أن التحقيق أن الضمير في : صرفناه ، عائد إلى ماء المطر . فأعلم أن المعنى : ولقد صرفنا ماء المطر بين الناس فأنزلنا مطراً كثيراً في بعض السنين على بعض البلاد ، ومنعنا المطر في بعض السنين عن بعض البلاد ، فيكثر الخصب في بعضها ، والجدب في بعضها الآخر . وقوله : ليذكروا أي صرفناه بينهم ، لأجل أن يتذكروا : أي يتذكر الذين أخصبت أرضهم لكثرة المطر ، نعمة الله عليهم ، فيشكروا له ، ويتذكر الذين أجدبت أرضهم ما نزل بهم من البلاء ، فيبادروا بالتوبة إلى الله جل وعلا ، ليرحمهم ويسقيهم . وقوله : { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } أي كفراً لنعمة من أنزل عليهم المطر ، وذلك بقولهم : مطرنا بنوء كذا . وهذا المعنى دلت عليه هذه الآية الكريمة أشار له جل وعلا في سورة الواقعة في قوله تعالى : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 82 ] فقوله : رزقكم : أي المطر ، كما قال تعالى : { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } [ غافر : 13 ] وقوله : { أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي بقولكم : مطرنا بنوء كذا ، ويزيد هذا إيضاحاً الحديث الثابت في صحيح مسلم ، وقد قدمناه بسنده ومتنه مستوفى ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً على أثر سماء أصابتهم من الليل : " أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب . وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " . وقد قدمنا أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } يدخل فيه من قال مطرنا بنوء كذا . ومن قال مطرنا بالبخار ، يعني أن البحر يتصاعد منه بخار الماء ، ثم يتجمع ثم ينزل على الأرض بمقتضى الطبيعة لا بفعل فاعل ، وأن المطر منه كما تقدم إيضاحه فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .