Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 47-47)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : اطيرنا بك : أي تشاءمنا بك ، وكان قوم صالح إذا نزل بهم قحط أو بلاء أو مصائب قالوا : ما جاءنا هذا إلا من شؤم صالح ، ومن آمن به . والتطير : التشاؤم ، وأصل اشتقاقه من التشاؤم بزجر الطير . وقد بينا كيفية التشاؤم والتيامن بالطير في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } [ الأنعام : 59 ] وقوله تعالى : { قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } قال بعض أهل العلم : أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله ، فالشر الذي أصابكم بذنوبكم لا بشؤم صالح ، ومن آمن به من قومه . وقد قدمنا معنى طائر الإنسان في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] ، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من تشاؤم الكفار بصالح ، ومن معه من المؤمنين جاء مثله موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في تشاؤم فرعون وقومه بموسى : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 131 ] وقوله تعالى في تطير كفار قريش ، بنبينا صلى الله عليه وسلم { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَا لِهَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [ النساء : 78 ] والحسنة في الآيتين النعمة كالرزق والخصب ، والعافية . والسيئة المصيبة بالجدب والقحط ، ونقص الأموال ، والأنفس ، والثمرات ، وكقوله تعالى : { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } [ يس : 18ـ19 ] أي بليتكم جاءتكم من ذنوبكم ، وكفركم . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } ، قال بعض العلماء تختبرون وقال بعضهم : تعذبون كقوله { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] وقد قدمنا إن أصل الفتنة في اللغة وضع الذهب في النار ليختبر بالسبك أزائف هو أم خالص ؟ وأنها أطلقت في القرآن على أربعة معان : الأول : إطلاقها على الإحراق بالنار كقوله تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ البروج : 10 ] اي حرقوهم بنار الاخدود على أحد التفسيرين . وقد اختاره بعض المحققين . المعنى الثاني : إطلاق الفتنة على الاختبار ، وهذا هو أكثرها استعمالاً كقوله تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] وقوله تعالى : { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [ الجن : 16ـ17 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة . الثالث : إطلاق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيئة خاصة ، ومن هنا أطلقت الفتنة على الكفر والضلال كقوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 39 ] أي حتى لا يبقى شرك ، وهذا التفسير الصحيح ، دل عليه الكتاب والسنة . أما الكتاب فقد دل عليه في قوله بعده في البقرة { وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } [ البقرة : 193 ] وفي الأنفال { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } [ الأنفال : 39 ] فإنه يوضح أن معنى : لا تكون فتنة ، أي لا يبقى شرك ، لأن الدين لا يكون كله لله ، ما دام في الأرض شرك كما ترى . وأما السنة ففي قوله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله " فقد جعل صلى الله عليه وسلم الغاية التي ينتهي إليها قتاله للناس ، هي شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واضح في أن معنى : لا تكون فتنة : لا يبقى شرك ، فالآية والحديث كلاهما دال على أن الغاية التي ينتهي إليها قتال الكفار هي ألا يبقى في الأرض شرك ، إلا أنه تعالى في الآية عبر عن هذا المعنى بقوله : { حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَة } وقد عبر صلى الله عليه وسلم بقوله : " حتى يشهدوا ألا إله إلا الله " فالغاية في الآية والحديث واحدة في المعنى . كما ترى . الرابع : هو إطلاق الفتنة على الحجة في قوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] أي لم تكن حجتهم ، كما قاله غير واحد . والعلم عند الله تعالى .