Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 8-8)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } . اعلم أن التحقيق إن شاء الله ، أن اللام في قوله : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } لام التعليل المعروفة بلام كي ، وذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز ، ويدل على ذلك قوله تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الإنسان : 30 ] و [ التكوير : 29 ] . وإيضاح ذلك أن قوله تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الإنسان : 30 ] و [ التكوير : 29 ] صريح في أن الله تعالى يصرف مشيئة العبد وقدرته بمشيئته جل وعلا ، إلى ما سبق به علمه ، وقد صرف مشيئة فرعون ، وقومه بمشيئته جل وعلا ، إلى التقاطهم موسى . ليجعله لهم عدواً وحزناً ، فكأنه يقول : قدرنا عليهم التقاطه بمشيئتنا ليكون لهم عدواً وحزناً ، وهذا معنى واضح ، لا لبس فيه ولا إشكال كما ترى . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية : ولكن إذا نظر إلى معنى السياق ، فإنه تبقى اللام للتعليل ، لأن معناه : أن الله تعالى قيضهم لالتقاطه ، ليجعله عدواً لهم وحزناً ، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه . انتهى محل الغرض من كلامه ، وهذا المعنى هو التحقيق في الآية إن شاء الله تعالى ، ويدل عليه قوله تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّه } كما بينا وجهه آنفاً . وبهذا التحقيق تعلم أن ما يقوله كثير من المفسرين ، وينشدون له الشواهد من أن اللام في قوله ليكون : لام العاقبة ، والصيرورة خلاف للصواب ، وأن ما يقوله البيانيون ، من أن اللام في قوله : ليكون فيها استعارة تبعية ، في متعلق معنى الحرف ، خلاف الصواب أيضاً . وإيضاح مراد البيانيين بذلك ، هو أن من أنواع تقسيمهم لما يسمونه الاستعارة التي هي عندهم ، مجاز علاقته المشابهة أنهم يقسمونها إلى استعارة أصلية ، واستعارة تبعية ، ومرادهم بالاستعارة الأصلية : الاستعارة في أسماء الأجناس الجامدة والمصادر ، ومرادهم باستعارة التبعية قسمان : أحدهما : الاستعارة في المشتقات كاسم الفاعل والفعل . والثاني : الاستعارة في متعلق معنى الحرف ، وهو المقصود بالبيان . فمثال الاستعارة الأصلية عندهم : رأيت أسداً على فرسه ، ففي لفظة أسد في هذا المثال : استعارة أصلية تصريحية عندهم ، فإنه أراد تشبيه الرجل الشجاع بالأسد لعلاقة الشجاعة ، فحذف المشبه الذي هو الرجل الشجاع ، وصرح بالمشبه به الذي هو الأسد ، على سبيل الاستعارة التصريحية ، وصارت أصلية ، لأن الأسد اسم جنس جامد . ومثال الاستعارة التبعية ، في المشتق عندهم قولك : الحل ناطقة بكذا ، فالمراد عندهم : تشبيه دلالة الحال بالنطق بجامع الفهم ، والإدراك بسبب كل منهما ، فحذف الدلالة التي هي المشبه ، وصرح بالنطق الذي هو المشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية ، واشتق من النطق اسم الفاعل الذي هو ناطقة ، فجرت الاستعارة التبعية في اسم الفاعل الذي هو ناطقة ، وإنما قيل لها تبعية ، لأنها إنما جرت فيه تبعاً لجريانها في المصدر ، الذي هو النطق ، لأن المشتق تابع للمشتق منه ، ولا يمكن فهمه بدون فهمه ، وهذا التوجيه أقرب من غيره مما يذكرونه من توجيه ما ذكر . ومثال الاستعارة التبعية عندهم في متعلق معنى الحرف في زعمهم هذه الآية الكريمة ، قالوا : اللام فيها كلفظ الأسد في المثال الأول ، فإنه أطلق على غير الأسد لمشابهة بينهما ، قالوا : وكذلك اللام أصلها موضوعة للدلالة على العلة الغائية ، وعلة الشيء الغائية : هي ما يحمل على تحصيله ليحصل بعد حصوله : قالوا : والعلة الغائية للالقتاط في قوله تعالى : فالتقطه هي المحبة والنفع والتبني : أي اتخاذهم موسى ولداً ، كما صرحوا بأن هذا هو الباعث لهم على التقاطه وتربيته ، في قوله تعالى عنهم : { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } [ القصص : 9 ] ، فهذه العلة الغائية عندهم هي التي حملتهم على التقاطه ، لتحصل لهم هذه العلة بعد الالتقاط . قالوا : ولما كان الحاصل في نفس الأمر بعد الالتقاط ، هو ضد ما رجوه وأملوه ، وهو العداوة والحزن ، شبهت العداوة والحزن الحاصلان بالالتقاط بالمحبة والتبني والنفع ، التي هي علة الالتقاط الغائية بجامع الترتب في كل منهما ، فالعلة الغائية : تترتب على معلولها دائماً ترتب رجاء للحصول ، فتبنيهم لموسى ومحبته كانوا يرجعون ترتبهما على التقاطهم له ، ولما كان المترتب في نفس الأمر على التقاطهم له ، هو كونه عدواً لهم وحزناً ، صار هذا الترتب الفعلي شبيهاً بالترتب الرجائي ، فاستعيرت اللام الدالة على العلة الغائية المشعرة بالترتب الرجائي للترتب الحصولي الفعلي الذي لا رجاء فيه . وإيضاحه : أن ترتب الحزن والعداوة على الالتقاط أشبه ترتب المحبة والتبني على الالتقاط ، أطلقت لام العلة الغائية في الحزن والعداوة ، لمشابهتهما للتبني والمحبة في الترتب ، كما أطلق لفظ الأسد على الرجل الشجاع ، لمشابهتهما في الشجاعة . وبعض البلاغيين يقول : في هذا جرت الاستعارة الأصلية أولاً بين المحبة والتبني ، وبين العداوة والحزن اللذين حصولهما هو المجرور ، فكانت الاستعارة في اللام تبعاً للاستعارة في المجرور ، لأن اللام لا تستقل فيكون ما اعتبر فيها تبعاً للمجرور ، الذي هو متعلق معنى الحرف ، وبعضهم يقول : فجرت الاستعارة أولاً في العلية والغرضية ، وتبعيتها في اللام ، وهناك مناقشات في التعبية في معنى الحرف تركناها ، لأن غرضنا بيان مرادهم بالاستعارة التبعية في هذه الآية بإيجاز . وإذا علمت مرادهم بما ذكر ، فاعلم أن التحقيق إن شاء الله هو ما قدمنا ، وقد أوضحنا في رسالتنا المسماة [ منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز ] أن التحقيق : أن القرآن لا مجاز فيه ، وأوضحنا ذلك بالأدلة الواضحة . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } [ القصص : 8 ] أي مرتكبين الخطيئة التي هي الذنب العظيم كقوله تعالى : { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [ نوح : 25 ] وقوله تعالى : { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } [ البقرة : 81 ] الآية . ومن إطلاق الخاطئ على المذنب العاصي : قوله تعالى : { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } [ الحاقة : 36ـ37 ] وقوله تعالى : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [ العلق : 16 ] وقوله : { إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } [ يوسف : 29 ] والعلم عند الله تعالى .