Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 28-29)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة ، هو الحكم والقضاء ، وقد قدمنا أن الفتاح وهي لغة حميرية قديمة . والفتاحة الحكم والقضاء ، ومنه قوله : @ ألا من مبلغ عمراً رسولاً بأني عن فتاحتكم غنى @@ وقد جاءت آيات تدل على أن الفتح الحكم ، كقوله تعالى عن نبيه شعيب : { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] أي احكم بيننا بالحق ، وأنت خير الحاكمين . وقوله تعالى عن نبيه نوح : { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 117ـ118 ] الآية . أي احكم بيني وبينهم حكماً . وقوله تعالى : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } [ سبأ : 26 ] . وقوله تعالى : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } [ الأنفال : 19 ] أي إن تطلبوا الحكم بهلاك الظالم منكم ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءكم الفتح : أي الحكم بهلاك الظالم وهو هلاكهم يوم بدر ، كما قاله غير واحد ، وقد ذكروا أنهم لما أرادوا الخروج إلى بدر ، جاء أبو جهل ، وتعلق بأستار الكعبة وقال : اللهم إنا قطان بيتك نسقي الحجيج ، ونفعل ونفعل ، وإن محمداً قطع الرحم وفرق الجماعة ، وعاب الدين ، وشتم الآلهة ، وسفه أحلام الآياء ، اللهم أهلك الظالم منا ومنه فطلب الحكم على الظالم ، فجاءهم الحكم على الظالم فقتلوا ببدر ، وصاروا إلى الخلود في النار إلى غير ذلك من الآيات . وعلى قول من قال : من أهل العلم إن المراد بالفتح في الآية الحكم والقضاء بينهم يوم القيامة فلا إشكال في قوله تعالى : { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ } وعلى القول بأن المراد بالفتح في الآية الحكم بينهم في الدنيا بهلاك الكفار . كما وقع يوم بدر ، فالظاهر أن معنى قوله تعالى : { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ } أي إذا عاينوا الموت ، وشاهدوا القتل بدليل قوله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } [ غافر : 84ـ85 ] وقوله تعالى : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ } [ النساء : 18 ] الآية . وقوله تعالى في فرعون : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 90ـ91 ] ولا يخفى أن قول من قال من أهل العلم : إن الفتح في هذه الآية : فتح مكة أنه غير صواب بدليل قوله تعالى : { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ } ومعلوم أن فتح مكة لا يمنع انتفاع المؤمن في وقته بإيمانه كما لا يخفى .