Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 33-33)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } . قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول ، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في الترجمة ، وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك . ومما ذكرنا من أمثلة ذلك في الترجمة قولنا فيها . ومن أمثلته قول بعض أهل العلم : إن أزواجه صلى الله عليه وسلم لا يدخلن في أهل بيته في قوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [ الأحزاب : 33 ] فإن قرينه السياق صريحة في دخولهن ، لأن الله تعالى قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [ الأحزاب : 28 ] ثم قال في نفس خطابه لهن : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [ الأحزاب : 33 ] ثم قال بعده : { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ } [ الأحزاب : 34 ] الآية . وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول ، فلا يصح إخراجها بمخصص ، وروي عن مالك أنها ظنية الدخول ، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله : @ واجزم بإدخال ذوات السبب وارو عن الإمام ظناً تصب @@ فالحق أنهن داخلات في الآية اهـ من ترجمة هذا الكتاب المبارك . والتحقيق إن شاء الله : أنهن داخلات في الآية ، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت . أما الدليل على دخولهن في الآية ، فهو ما ذكرناه آنفاً من أن سياق الآية صريح في أنها نازلة فيهن . والتحقيق : أن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما هو مقرر في الأصول . ونظير ذلك من دخول الزوجات في اسم أهل البيت . قوله تعالى في زوجة إبراهيم : { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [ هود : 73 ] . وأما الدليل على دخول غيرهن في الآية ، فهو أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم : " إنهم أهل البيت ودعا لهم الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً " وقد روى ذلك جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وأبو سعيد ، وأنس ، وواثلة بن الأسقع ، وأم المؤمنين عائشة ، وغيرهم رضي الله عنهم . وبما ذكرنا من دلالة القرآن والسنة : تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم كلهم . تنبيه فإن قيل : إن الضمير في قوله : { لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْس } وفي قوله : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } ضمير الذكور ، فلو كان المراد نساء النبي صلى الله عليه وسلم لقيل : ليذهب عنكن ويطهركن . فالجواب من وجهين : الأول : هو ما ذكرنا من أن الآية الكريمة شاملة لهن ولعلي والحسن والحسين وفاطمة ، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها ، كما هو معلوم في محله . الوجه الثاني : هو أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل ، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر ، ومنه قوله تعالى في موسى : { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } [ طه : 10 ] . وقوله : { سَآتِيكُمْ } [ النمل : 7 ] . وقوله : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ } [ طه : 10 ] . والمخاطب امرأته كما قاله غير واحد ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر : @ فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا بردا @@ وبما ذكرنا تعلم أن قول من قال : إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لسن داخلات في الآية ، يرد عليه صريح سياق القرآن ، وأن من قال : إن فاطمة وعلياً والحسن والحسين ليسوا داخلين فيها ، ترد عليه الأحاديث المشار إليها . وقال بعض أهل العلم : إن أهل البيت في الآية هم من تحرم عليهم الصدقة والعلم عند الله تعالى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِب عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } ، الآية ، يعني أنه يذهب الرجس عنهم ، ويطهرهم بما يأمر به من طاعة الله ، وينهى عنه من معصيته ، لأن من أطاع الله أذهب عنه الرجس ، وطهره من الذنوب تطهيراً . وقال الزمخشري في الكشاف : ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم ، وليتصونوا عنها بالتقوى . واستعار للذنوب الرجس ، وللتقوى الطهر ، لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس ، وأما الحسنات فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر ، وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده ، ونهاهم عنه ، ويرغبهم فيما يرضاه لهم ، وأمرهم به . وأهل البيت نصب على النداء أو على المدح . وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته . تنبيه اعلم أنه يكثر في القرآن العظيم ، وفي اللغة إتيان اللام المكسورة منصوباً بعدها المضارع بعد فعل الإرادة كقوله هنا : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِب عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ } [ الأحزاب : 33 ] الآية . وقوله : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ } [ النساء : 26 ] . وقوله : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } [ الصف : 8 ] الآية . وقوله تعالى : { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } [ المائدة : 6 ] إلى غير ذلك من الآيات . وكقول الشاعر : @ أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل @@ وللعلماء في اللام المذكورة أقوال : منها أنها مصدرية بمعنى أن ، وهو قول غريب . ومنها : أنها لام كي ، ومفعول الإرادة محذوف والتقدير : إنما يريد الله أن يأمركم وينهاكم ، لأجل أن يذهب عنكم الرجس : والرجس كل مستقذر تعافه النفوس ، ومن أقذر المستقذرات معصية الله تعالى . قوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } . قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها بيان الإجمال الواقع بسبب الإبهام في صلة موصول ، وذكرنا أن من أمثلة ذلك قوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } ، لأن جملة : الله مبديه صلة الموصول الذي هو ما . وقد قلنا في الترجمة المذكورة : فإنه هنا أبهم هذا الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم في نفسه وأبداه الله ، ولكنه أشار إلى أن المراد به زواجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش رضي الله عنها ، حيث أوحى إليه ذلك ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد بن حارثة ، لأن زواجه إياها هو الذي أبداه الله بقوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } [ الأحزاب : 37 ] وهذا هو التحقيق في معنى الآية الذي دل عليه القرآن ، وهو اللائق بجنابه صلى الله عليه وسلم . وبه تعلم أن ما يقوله كثير من المفسرين من أن ما أخفاه في نفسه صلى الله عليه وسلم وأبداه الله وقوع زينب في قلبه ومحبته لها ، وهي تحت زيد ، وأنها سمعته ، قال سبحان مقلب القلوب إلى آخر القصة ، كله لا صحة له ، والدليل عليه أن الله لم يبد من ذلك شيئاً ، مع أنه صرح بأنه مبدي ما أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى محل الغرض من كلامنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك . وقال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : واختلف الناس في تأويل هذه الآية ، فذهب قتادة ، وابن زيد ، وجماعة من المفسرين منهم : الطبري : وغيره : إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد ، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد ، فيتزوجها هوإلى أن قال : وهذا الذي كان يخفي في نفسه ، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف يعني قوله : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [ الأحزاب : 37 ] اهـ . ولا شك أن هذا القول غير صحيح ، وأنه غير لائق به صلى الله عليه وسلم . ونقل القرطبي نحوه عن مقاتل ، وابن عباس أيضاً . وذكر القرطبي عن علي بن الحسين أن الله أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيداً سيطلق زينب ، وأن الله يزوجها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن علم هذا بالوحي قال لزيد : أمسك عليك زوجك . وأن الذي أخفاه في نفسه : هو أن الله سيزوجه زينب رضي الله عنها ، ثم قال القرطبي ، بعد أن ذكر هذا القول : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية . وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، والعلماء الراسخين . كالزهري ، والقاضي بكر بن العلاء القشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم ، إلى أن قال : فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوى زينب امرأة زيد ، وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق ، فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا أو مستخف بحرمته . قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ، وأسند إلى علي بن الحسين قوله : فعلي بن الحسين جاء بهذا من خزانة العلم جوهراً من الجواهر ودراً من الدرر أنه إنما عتب الله عليه في أنه قد أعلمه ، أن ستكون هذه من أزواجك ، فكيف قال بعد ذلك لزيد : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَك } [ الأحزاب : 37 ] ، وأخذتك خشية الناس أن يقولوا : تزوج امرأة ابنه ، والله أحق أن تخشاه . انتهى محل الغرض منه . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ها هنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم ، أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها ، فلا نوردها إلى آخر كلامه . وفيه كلام علي بن الحسين الذي ذكرنا آنفاً . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق إن شاء الله في هذه المسألة : هو ما ذكرنا أن القرآن دل عليه ، وهو أن الله أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بأن زيداً يطلق زينب ، وأنه يزوجها إياه صلى الله عليه وسلم ، وهي في ذلك الوقت تحت زيد ، فلما شكاها زيد إليه صلى الله عليه وسلم قال له : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَك } [ الأحزاب : 37 ] فعاتبه الله على قوله : أمسك عليك زوجك بعد علمه أنها ستصير زوجته هو صلى الله عليه وسلم وخشي مقالة الناس أن يقولوا : لو أظهر ما علم من تزويجه إياها أنه يريد تزويج زوجة ابنه في الوقت الذي هي فيه في عصمة زيد . والدليل على هذا أمران : الأول : هو ما قدمنا من أن الله جل وعلا قال : { وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } ، وهذا الذي أبداه الله جل وعلا ، هو زواجه إياها في قوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } ولم يبد جل وعلا شيئاً مما زعموه أنه أحبها ، ولو كان ذلك هو المراد لأبداه الله تعالى كما ترى . الأمر الثاني : أن الله جل وعلا صرح بأنه هو الذي زوجه إياها ، وأن الحكمة الإلهية في ذلك التزويج هي قطع تحريم أزواج الأدعياء في قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِم } [ الأحزاب : 37 ] الآية فقوله تعالى : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَج } تعليل صريح لتزويجه إياها لما ذكرنا ، وكون الله هو الذي زوجه إياها لهذه الحكمة العظيمة صريح في أن سبب زواجه إياها ليس هو محبته لها التي كانت سبباً في طلاق زيد لها كما زعموا ، ويوضحه قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } الآية ، لأنه يدل على أن زيد قضى وطره منها ، ولم تبق له بها حاجة ، فطلقها باختياره . والعلم عند الله تعالى .