Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 72-72)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في الآية الكريمة : أنه عرض الأمانة ، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب ، على السماوات والأرض والجبال ، وأنهن أبين أن يحملنها ، وأشفقن منها : أي خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه ، وهذا العرض والإباء ، والإشفاق كله حق ، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكاً بعلمه هو جل وعلا ، ونحن لا نعلمه ، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها ، وأبت وأشفقت أي خافت . ومثل هذا تدل عليه آيات وأحاديث كثيرة ، فمن الآيات الدالة على إدراك الجمادات المذكورة قوله تعالى في سورة البقرة في الحجارة : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] فصرح بأن من الحجارة ما يهبط من خشية الله ، وهذه الخشية التي نسبها الله لبعض الحجارة بإدراك يعلمه هو تعالى . ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] الآية . ومنها قوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } [ الأنبياء : 79 ] الآية . إلى غير ذلك من الآيات . ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك قصة حنين الجذع ، الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر ، وهي في صحيح البخاري وغيره . ومنها : ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لأعرف حجراً كان يسلم عليَّ في مكة " وأمثال هذا كثيرة ، فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنة ، إنما يكون بإدراك يعلمه الله ، ونحن لا نعلمه . كما قال تعالى : { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] ولو كان المراد بتسبيح الجمادات ، دلالتها على خالقها لكنا نفقهه ، كما هو معلوم وقد دلت عليه آيات كثيرة . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأن الضمير في قوله : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] راجع للفظ الإنسان مجرداً عن إرادة المذكور منه الذي هو آدم : والمعنى : أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة كان ظلوماً جهولاً : أي كثير الظلم والجهل ، والدليل على هذا أمران . أحدهما : قرينة قرآنية دالة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذب ومرحوم في قوله تعالى بعده متصلاً به : { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب : 73 ] فدل هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان ، هو المعذب والعياذ بالله ، وهم المنافقون ، والمنافقات ، والمشركون ، والمشركات ، دون المؤمنين والمؤمنات . واللام في قوله : ليعذب : لام التعليل وهي متعلقة بقوله : وحملها الإنسان . الأمر الثاني : أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن ، وقد جاء فعلاً في آية من كتاب الله ، وهي قوله تعالى : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ } [ فاطر : 11 ] ، لأن الضمير في قوله : ولا ينقص من عمره : راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي . كما هو ظاهر ، وقد أوضحناه في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } [ الفرقان : 61 ] وبينا هناك أن هذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة عندي درهم ونصفه : أي نصف درهم آخر كما ترى . وبعص من قال من أهل العلم إن الضمير في قوله : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } عائد إلى آدم ، قال المعنى : أنه كان ظلوماً لنفسه جهولاً : أي غراً بعواقب الأمور ، وما يتبع الأمانة من الصعوبات ، والأظهر هو ما ذكرنا والعلم عند الله تعالى .