Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 12-12)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة أربعة أشياء . الأول : أنه يحيي الموتى مؤكداً ذلك متكلماً عن نفسه بصيغة التعظيم . الثاني : أنه يكتب ما قدموا في دار الدنيا . الثالث : أنه يكتب آثارهم . الرابع : أنه أحصى كل شيء في إمام مبين . أي في كتاب بيِّن واضح ، وهذه الأشياء الأربعة جاءت موضحة في غير هذا الموضع . أما الأول منها : وهو كونه يحيي الموتى بالبعث فقد جاء في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى . كقوله تعالى : { قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } [ التغابن : 7 ] وقوله تعالى : { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ } [ يونس : 53 ] . وقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } [ النحل : 38 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة . وقد قدّمناها بكثرة في سورة البقرة وسورة النحل في الكلام على براهين البعث وقدمنا الإحالة على ذلك مراراً . وأما الثاني منها : وهو كونه يكتب ما قدموا في دار الدنيا فقد جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [ الزخرف : 80 ] . وقوله تعالى : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجاثية : 29 ] . وقوله تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ٱقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 13ـ14 ] وقوله تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَاً } [ الكهف : 49 ] الآية . وقوله تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] . وقد قدّمنا بعض الكلام على هذا في سورة الكهف . وأما الثالث منها : وهو كونهم تكتب آثارهم فقد ذكر في بعض الآيات أيضاً . واعلم أن قوله : { وَآثَارَهُمْ } فيه وجهان من التفسير معروفان عند العلماء . الأول منهما : أن معنى { مَاَ قَدَّمُواْ } ما باشروا فعله في حياتهم ، وأن معنى { وَآثَارَهُمْ } : هو ما سنّوه في الإسلام من سنة حسنة أو سيئة ، فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم . الثاني : أن معنى آثارهم خطاهم إلى المساجد ونحوها من فعل الخير ، وكذلك خطاهم إلى الشر ، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم " يعني خطاكم من بيوتكم إلى مسجده صلى الله عليه وسلم . أما على القول الأول فالله جل وعلا قد نص على أنهم يحملون أوزار من أضلوهم وسنوا لهم السنن السيئة كما في قوله تعالى : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25 ] الآية . وقوله تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] . وقد أوضحنا ذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍَ } [ النحل : 25 ] وذكرنا حديث جرير ، وأبي هريرة في صحيح مسلم في إيضاح ذلك . ومن الآيات الدالة على مؤاخذة الإنسان بما عمل به بعده مما سنه من هدى أو ضلالة . قوله تعالى : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] بناء على أن المعنى بما قدّم مباشراً له ، وأخّر مما عمل به بعده ممّا سنه من هدى أو ضلال . وقوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الإنفطار : 5 ] على القول بذلك . وأما على تفسير الثاني : وهو أن معنى { وَآثَارَهُمْ } خطاهم إلى المساجد ونحوها ، فقد جاء بعض الآيات دالاً على ذلك المعنى كقوله تعالى : { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } [ التوبة : 121 ] لأن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم . وأما الرابع : وهو قوله تعالى : { وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } فقد تدّل عليه الآيات الدالة على الأمر الثاني ، وهو كتابة جميع الأعمال التي قدّموها بناء على أن المراد بذلك خصوص الأعمال . وأما على فرض كونه عامَّاً فقد دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى : { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً } [ الجن : 28 ] وقوله تعالى : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] بناء على أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ، وهو أصحّ القولين . والعلم عند الله تعالى .