Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 30-30)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بيّن جلّ وعلا أن العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزءون غير مكتفين بتكذبيه ، بل جامعين معه الاستهزاء . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ } نص صريح في تكذيب الأمم لجميع الرسل لما تقرر في الأصول ، من أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها " من " ، فهي نص صريح في عموم النفي ، كما هو معروف في محله . وهذا العموم الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات أخر ، وجاء في بعض الآيات إخراج أمة واحدة عن حكم هذا العموم بمخصص متصل ، وهوالاستثناء . فمن الآيات الموضحة لهذا العموم قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ سبأ : 34 ] وقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] وقوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } [ الأعراف : 94 ] إلى قوله : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ الأعراف : 95 ] . وقد قدمنا الكلام على هذا في سورة " قَدْ أفْلَحَ المؤْمِنُونَ " ، في الكلام على قوله تعالى : { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ } [ المؤمنون : 44 ] الآية . وقدمنا طرفاً من الكلام عليه في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا } [ الأنعام : 123 ] الآية . وأما الأمة التي أخرجت من هذا العموم فهي أمة يونس ، والآية التي بينت ذلك هي قوله تعالى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ يونس : 98 ] . وقوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ الصافات : 147ـ148 ] والحسرة أشد الندامة ، وهو منصوب على أنّه منادى عامل في المجرور بعده ، فأشبه المنادى المضاف . والمعنى : يا حسرة على العباد ! تعالي واحضري ، فإن الاستهزاء بالرسل هو أعظم الموجبات لحضورك .