Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 11-11)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر في هذه الآية الكريمة برهانين من براهين البعث ، التي قدمنا أنها يكثر في القرآن العظيم الاستدلال بها على البعث . الأول : هو المراد بقوله : { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } لأنّ معنى ( فاستفتهم ) : استخبرهم والأصل في معناه : اطلب منهم الفتوى : وهي الإخبار بالواقع فيما تسألهم عنه أهم أشدّ خلقاً أي أصعب إيجاداً واختراعاً ، أم من خلقنا من المخلوقات التي هي أعظم وأكبر منهم ، وهي ما تقدّم ذكره من الملائكة المعبر عن جماعاتهم بالصافات ، والزاجرات ، والتاليات ، والسماوات ، والأرض ، والشمس والقمر ، ومردة الشياطين كما ذكر ذلك كله في قوله تعالى : { رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 5ـ7 ] . وجواب الاستفتاء المذكور الذي لا جواب له غيره هو أن يقال : من خلقت يا ربنا من الملائكة ، ومردة الجن والسماوات ، والأرض ، والمشارق ، والمغارب ، والكواكب ، أشد خلقاً منا ، لأنها مخلوقات عظام أكبر ، وأعظم منا فيتضح بذلك البرهان القاطع على قدرته جل وعلا على البعث بعد الموت ، لأن من المعلوم بالضرورة أن من خلق الأعظم الأكبر كالسماوات والأرض ، وما ذكر معهما قادر على أن يخلق الأصغر الأقل كما قال تعالى : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [ غافر : 57 ] أي ومن قدر على خلق الأكبر فلا شك أنه قادر على خلق الأصغر ، كخلق الإنسان خلقاً جديداً بعد الموت . وقال تعالى : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } [ يس : 81 ] وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } [ الإسراء : 99 ] وقال تعالى في النازعات موضحاً الاستفتاء المذكور في آية الصافات هذه : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [ النازعات : 27ـ33 ] . وقد علمت أن وجه العبارة بمن التي هي للعالم في قوله تعالى : { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } عن السماوات والأرض والكواكب هو تغليب ما ذكر معها من العالم كالملائكة على غير العالم ، وذلك أسلوب عربي معروف . وأما البرهان الثاني : فهو في قوله : { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } لأن من خلقهم أولاً من طين ، وأصله التراب المبلول بالماء لا يشك عاقل في قدرته على خلقهم مرة أخرى بعد أن صاروا تراباً ، لأن الإعادة لا يعقل أن تكون أصعب من البدء والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جداً كقوله تعالى : { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ يس : 79 ] الآية . وقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ } [ الروم : 27 ] وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } [ الحج : 5 ] . وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذين البرهانين وغيرهما ، من براهين البعث في سورة البقرة والنحل والحج وغير ذلك . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } اللازب : هو ما يلزق باليد مثلاً إذا لاقته ، وعبارات المفسرين فيه تدور حول ما ذكرنا ، والعرب تطلق اللازب واللاتب واللازم ، بمعنى واحد ، ومنه في اللازب قول علي رضي الله عنه : @ تَعَلَّم فإنّ الله زادكَ بَسطةً وأخلاقَ خيرٍ كُلُّها لَك لازِب @@ وقول نابغة ذبيان : @ ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب @@ فقوله : ضربة لازب : أي شيئاً ملازماً لا يفارق ، ومنه في اللاتب قوله : @ فإن يك هذا من نبيذ شربته فإني من شرب النبيذ لتائب صداع وتوصيم العظام وفترة وغم مع الإشراق في الجوف لاتب @@ والبرهانان المذكوران على البعث يلقمان الكفار حجراً في إنكارهم البعث المذكور بعدهما قريباً منهما في قوله تعالى : { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } [ الصافات : 15ـ19 ] .