Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 18-18)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَه } . أظهر الأقوال في الآية الكريمة ، أن المراد بالقول ، ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، من وحي الكتاب والسنة ، ومن إطلاق القول على القرآن قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } [ المؤمنون : 68 ] الآية . وقوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } [ الطارق : 13ـ14 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَه } أي يقدمون الأحسن ، الذي هو أشد حسناً ، على الأحسن الذي هو دونه في الحسن ، ويقدمون الأحسن مطلقاً على الحسن . ويدل لهذا آيات من كتاب الله . أما الدليل على أن القرآن الأحسن المتبع . ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من الوحي ، فهو في آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ } [ الزمر : 55 ] وقوله تعالى لموسى يأمره بالأخذ بأحسن ما في التوراة { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } [ الأعراف : 145 ] . وأما كون القرآن فيه الأحسن والحسن ، فقد دلت عليه آيات من كتابه . واعلم أولاً أنه لا شك في أن الواجب أحسن من المندوب ، وأن المندوب أحسن من مطلق الحسن ، فإذا سمعوا مثلاً قوله تعالى : { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الحج : 77 ] قدموا فعل الخير الواجب ، على فعل الخير المندوب ، وقدموا هذا الأخير ، على مطلق الحسن الذي هو الجائر ، ولذا كان الجزاء بخصوص الأحسن الذي هو الواجب والمندوب ، لا على مطلق الحسن ، كما قال تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] وقوله تعالى { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الزمر : 35 ] كما قدمنا إيضاحه في سورة النحل ، في الكلام على قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل : 97 ] ، وبينا هناك دلالة على أن المباح حسن ، كما قال صاحب المراقي : @ ما ربنا لم ينه عنه حسن وغيره القبيح والمستهجن @@ ومن أمثلة الترغيب في الأخذ بالأحسن وأفضليته مع جواز الأخذ بالحسن قوله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [ النحل : 126 ] فالأمر في قوله : { فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } للجواز ، والله لا يأمر إلا بحسن . فدل ذلك على أن الانتقام حسن ، ولكن الله بين أن العفو والصبر ، خير منه وأحسن في قوله : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } وأمثال ذلك كثيرة في القرآن ، كقوله تعالى في إباحة الانتقام ، { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } [ الشورى : 41 ] ، مع أنه بين أن الصبر والغفران خير منه ، في قوله بعده : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] ، وكقوله في جواز الانتقام { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النسا : 148 ] مع أنه أشار إلى أن العفو خير منه ، و أنه من صفاته جل وعلا مع كمال قدرته وذلك في قوله بعده : { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهْ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } [ النساء : 149 ] . وكقوله جل وعلا مثنياً على من تصدق ، فأبدى صدقته { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } [ البقرة : 271 ] ثم بين أن إخفاءها وإيتاءها الفقراء ، خير من إبدائها الذي مدحه بالفعل الجامد ، الذي هو لإنشاء المدح الذي هو نعم ، في قوله { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 271 ] . وكقوله في نصف الصداق اللازم ، للزوجة بالطلاق ، قبل الدخول ، فنصف ما فرضتم ، ولا شك أن أخذ كل واحد من الزوجين النصف حسن ، لأن الله شرعه في كتابه في قوله { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] مع أنه رغب كل واحد منهما ، أن العفو للآخر عن نصفه ، وبين أن ذلك أقرب للتقوى وذلك في قوله بعده { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [ البقرة : 237 ] . وقد قال تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ثم أرشد إلى الحسن بقوله { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 40 ] وقال تعالى : { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } [ المائدة : 45 ] ثم أرشد إلى الأحسن ، في قوله : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] . واعلم أن في هذه الآية الكريمة أقوالاً غير الذي اخترنا . منها ما روي عن ابن عباس ، في معنى { فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَه } [ الزمر : 18 ] قال " هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن ، وينكف عن القبيح ، فلا يتحدث به " . وقيل يستمعون القرآن وغيره ، فيتبعون القرآن . وقيل : إن المراد بأحسن القول لا إله إلا الله ، وبعض من يقول بهذا القول : إن الآية نزلت فيمن كان يؤمن بالله قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ، كزيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، إلى غير ذلك من الأقوال .