Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 2-3)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِ أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } . أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة ، أن يعبده في حال كونه ، مخلصاً له الدين ، أي مخلصاً له في عبادته ، من جميع أنواع الشرك صغيرها وكبيرها ، كما هو واضح من لفظ الآية . والإخلاص ، إفراد المعبود بالقصد ، في كل ما أمر بالتقرب به إليه ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من كون الإخلاص في العبادة لله وحده ، لا بد منه ، جاء في آيات متعددة ، وقد بين جل وعلا ، أنه ما أمر بعبادة ، إلا عبادة يخلص له العابد فيها . أما غير المخلص فكل ما أتى به من ذلك ، جاء به من تلقاء نفسه ، لا بأمر ربه ، قال تعالى : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] الآية ، وقال جل وعلا { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الزمر : 11ـ12 ] إلى قوله تعالى : { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِه } [ الزمر : 13ـ15 ] . وقد قدمنا الكلام على العمل الصالح ، وأنه لا بد فيه من الإخلاص ، في أول سورة الكهف ، في الكلام على قوله تعالى : { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَات } [ الكهف : 2 ] الآية . وفي غير ذلك من المواضع . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } [ الزمر : 3 ] أي التوحيد الصافي من شوائب الشرك ، أي هو المستحق لذلك وحده ، وهو الذي أمر به . وقول من قال من العلماء : إن المراد بالدين الخالص كلمة لا إله إلا الله موافق لما ذكرناه . والعلم عند الله تعالى . ثم لما ذكر جل وعلا إخلاص العبادة له وحده ، بين شبهة الكفار التي احتجوا بها ، للإشراك به تعالى ، في قوله تعالى هنا : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } فبين أنهم يزعمون أنهم ما عبدوا الأصنام ، إلا لأجل أن تقربهم من الله زلفى ، والزلفى القرابة . فقوله : زلفى ، ما ناب عن المطلق من قوله ليقربونا ، أي ليقربونا إليه قرابة تنفعنا بشفاعتهم في زعمهم . ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك . وقد قدمنا في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى : { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } [ المائدة : 35 ] أن هذا النوع من ادعاء الشفعاء ، واتخاذ المعبودات من دون الله وسائط من أصول كفر الكفار . وقد صرح تعالى بذلك في سورة يونس في قوله جل وعلا { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ يونس : 18 ] . فصرح تعالى بأن هذا النوع ، من ادعاء الشفعاء شرك بالله ، ونزه نفسه الكريمة عنه ، بقوله جل وعلا { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ يونس : 18 ] وأشار إلى ذلك في آية الزمر هذه ، لأنه جل وعلا لما قال عنهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أتبع ذلك بقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ } . وقوله : كفار ، صيغة مبالغة ، فدل ذلك على أن الذين قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى جامعون بذلك ، بين الكذب والمبالغة في الكفر بقولهم ذلك . وسيأتي إن شاء الله لهذا زيادة إيضاح في سورة الناس .