Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 69-70)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } . قد قدمنا إيضاحه ، بالآيات القرآنية ، في سورة الكهف ، في الكلام على قوله تعالى : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [ الكهف : 49 ] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] . قوله تعالى : { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَت } الآية . اختلف العلماء في المراد بالشهداء في هذه الآية الكريمة ، فقال بعضهم : هم الحفظة من الملائكة الذين كانوا يحصون أعمالهم في الدنيا ، واستدل من قال هذا بقوله تعالى { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : 21 ] . وقال بعض العلماء : الشهداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، يشهدون على الأمم ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] . وقيل : الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، وأظهر الأقوال في الآية عندي ، أن الشهداء هم الرسل من البشر ، الذين أرسلوا إلى الأمم ، لأنه لا يقضي بين الأمة حتى يأتي رسولها ، كما صرح تعالى بذلك في سورة يونس في قوله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ يونس : 47 ] فصرح جل وعلا بأنه يسأل الرسل عما أجابتهم به أممهم ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } [ المائدة : 109 ] وقال تعالى { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] لأن كونه صلى الله عليه وسلم هو الشهيد على هؤلاء الذين هم أمته ، يدل على أن الشهيد على كل أمة هو رسولها . وقد بين تعالى أن الشهيد على كل أمة من أنفس الأمة ، فدل على أنه ليس من الملائكة ، وذلك في قوله تعالى { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } [ النحل : 89 ] والرسل من أنفس الأمم كما قال تعالى في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] . وقال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } [ آل عمران : 164 ] الآية . والمسوغ للإيجاز بحذف الفاعل في قوله تعالى : { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ } [ الزمر : 69 ] هو أنه من المعلوم الذي لا نزاع فيه ، أنه لا يقدر على المجيء بهم إلا الله وحده جل وعلا . وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير الكسائي وهشام عن ابن عامر ، وجيء بكسر الجيم كسرة خالصة . وقرأه الكسائي وهشام عن ابن عامر بإشمام الكسرة الضم . وإنما كان الإشمام هنا جائزاً ، والكسر جائزاً ، لأنه لا يحصل في الآية البتة ، لبس بين المبني للفاعل ، والمبني للمفعول ، إذ من المعلوم أن قوله هنا : وجيء مبني للمفعول ولا يحتمل البناء للفاعل بوجه ، وما كان كذلك جاز فيه الكسر الخالص وإشمام الكسرة الضم كما أشار له في الخلاصة بقوله : @ واكسر أو أشمم فاثلاثي أعل عيناً وضم حاء كبوع فاحتمل @@ أما إذا أسند ذلك الفعل إلى ضمير الرفع المتصل ، فإن ذلك قد يؤدي إلى اللبس ، فيشتبه المبني للمفعول ، بالمبني للفاعل ، فيجب حينئذ اجتناب الشكل الذي يوجب اللبس ، والإتيان بما يزيل اللبس من شكل أو إشمام كما أشار له في الخلاصة بقوله : @ وإن بشكل خيف لبس يجتنب @@ ومن أمثلة ذلك قول الشاعر ، وقد أنشده صاحب اللسان : @ وإني على المولى وإن قل نفعه دفوع إذا ما صمت غير صبور @@ فقوله صمت أصله صيمت بالبناء للمفعول فيجب الإشمام أو الضم لأن الكسر الخالص يجعله محتملاً للبناء للفاعل كبعت وسرت . وقول جرير يرثي المرار بن عبد الرحمن بن أبي بكرة : @ وأقول من جزع وقد فتنا به ودموع عيني في الرداء غزار للدافنين أخا المكارم والندا لله ما ضمنت بك الأحجار @@ اصله فوتنا بالبناء للمفعول فيجب الكسر أو الإشمام لأن الضم الخالص يجعله محتملاً للبناء للفاعل ، كقلنا وقمنا .