Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-11)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِي ۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } . لم يبين هنا حكمة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث مع أنهما سواء في القرابة . ولكنه أشار إلى ذلك في موضع آخر وهو قوله تعالى { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء 34 لأن القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقّب للنقص دائماً ، و المَقُوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائماً ، والحكمة في إيثار مترقّب النقص على مترقّب الزيادة جبراً لنقصة المترقّب ظاهرة جِداً . قوله تعالى { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } الآية . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأنَّ البنات إن كن ثلاثاً فصاعداً ، فلهن الثلثان وقوله { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } يوهم أن الاثنتين ليستا كذلك ، وصرح بأن الواحدة لها النصف ، ويفهم منه أن الاثنتين ليستا كذلك أيضاً ، وعليه ففي دلالة الآية على قدر ميراث البنتين إجمال . وقد أشار تعالى في موضعين إلى أن هذا الظرف لا مفهوم مخالفة له ، وأن للبنتين الثلثين أيضاً . الأول قوله تعالى { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } النساء 11 إذ الذكر يرِث مع الواحدة الثلثين بلا نزاع ، فلا بد أن يكون للبنتين الثلثان في صورة ، وإلا لم يكن للذكر مثل حظّ الأنثيين . لأن الثلثين ليسا بحظّ لهما أصلاً ، لكن تلك الصورة ليست صورة الاجتماع ، إذ ما من صورة يجتمع فيها الابنتان مع الذكر ويكون لهما الثلثان ، فتعين أن تكون صورة انفرادهما عن الذكر . واعتراض بعضهم هذا الاستدلال بلزوم الدور قائلاً إن معرفة أن للذكر الثلثين في الصورة المذكورة تتوقف على معرفة حَظّ الأنثيين . لأنه ما علم من الآية إلا أن للذكر مثل حظّ الأنثيين . فلو كانت معرفة حظّ الأنثيين مستخرجة من حظّ الذكر لزم الدور ساقط . لأن المستخرج هو الحظّ المعين للأنثيين وهو الثلثان ، و الذي يتوقّف عليه معرفة حظّ الذكر هو معرفة حظّ الأنثيين مطلقاً ، فلا دور لانفكاك الجهة . واعترضه بعضهم أيضاً بأن للابن مع البنتين النصف ، فيدل على أن فرضهما النصف ، ويؤيد الأول أن البنتين لما استحقّتا مع الذكر النصف عُلم أنهما إن انفردتا عنه ، استحقتا أكثر من ذلك . لأن الواحدة إذا انفردت أخذت النصف ، بعدما كانت معه تأخذ الثلث ، ويزيده إيضاحاً أن البنت تأخذ مع الابن الذكر الثلث بلا نزاع ، فلأن تأخذه مع الابنة الأنثى أَوْلَى . فبهذا يظهر أنهُ جل وعلا ، أشار إلى ميراث البنتين بقوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } النساء 11 كما بينا ، ثم ذكر حكم الجماعة من البنات ، وحكم الواحدة منهن بقوله { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } النساء 11 ومما يزيده إيضاحاً ، أنَّه تعالى فرعه عليه بالفاء في قوله { فَإِنْ كُنَّ } إذ لو لم يكن فيما قبله ما يدل على سهم الإناث لم تقع الفاء موقعها كما هو ظاهر . الموضع الثاني هو قوله تعالى في الأختين { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } النساء 176 . لأن البنت أمسّ رحماً ، وأقوى سبباً في الميراث من الأخت بلا نزاع . فإذا صرح تعالى بأن للأختين الثلثين ، علم أن البنتين كذلك من باب أولى ، وأكثر العلماء على أن فحوى الخطاب ، أعني مفهوم الموافقة الذي المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق ، من قبيل دلالة اللفظ لا من قبيل القياس ، خلافاً للشافعي وقوم ، كما علم في الأصول ، فالله تبارك وتعالى لما بين أن للأختين الثلثين ، أفهم بذلك أن البنتين كذلك من باب أولى . وكذلك لما صرح أن لما زاد على الاثنتين من البنات الثلثين فقط ، ولم يذكر حكم ما زاد على الاثنتين من الأخوات ، أفهم أيضاً من باب أولى أنه ليس لما زاد من الأخوات غير الثلثين . لأنه لما لم يعط للبنات عُلم أنه لا تستحقّه الأخوات ، فالمسكوت عنه في الأمرين أولى بالحكم من المنطوق به ، وهو دليل على أنه قصد أخذه منه ، ويزيد ما ذكرنا إيضاحاً ما أخرجه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وابن ماجه ، عن جابر رضي الله عنه ، قال " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد قُتل أبوهما يوم أُحد ، وإن عمهما أخذ مالهما ، ولم يدع لهما مالاً ، ولا ينكحان إلا ولهما مال ، فقال صلى الله عليه وسلم " يقضي الله تعالى ، في ذلك " فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما ، فقال " اعْطِ ابنتي سعد الثلثين ، واعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " . وما يروى عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، من أنه قال للبنتين النصف . لأن الله تعالى ، قال { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } النساء 11 فصرح بأن الثُلثين إنما هما لِما فوق الاثنتين فيه أمور ، الأول أنه مردود بمثله لأن الله قال ايضاً { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } النساء 11 فصرح بأن النصف للواحدة جاعلاً كونها واحدة شرطاً معلقاً عليه فرض النصف . وقد تقرر في الأصول أن المفاهيم إذا تعارضت قدم الأقوى منها ، ومعلوم أن مفهوم الشرط أقوى من مفهوم الظرف لأن مفهوم الشرط لم يقدم عليه من المفاهيم ، إلا ما قال فيه بعض العلماء إنه منطوق لا مفهوم وهو النفي والإثبات ، وإنما من صيغ الحصر والغاية ، وغير هذا يقدم عليه مفهوم الشرط قال في مراقي السعود مبيناً مراتب مفهوم المخالفة @ أعلاه لا يرشد إلا العلما فما لمنطوق بضعف انتمى فالشرط فالوصف الذي يناسب فمطلق الوصف الذي يقارب فعدد ثمة تقديم يلي وهو حجة على النهج الجلي @@ وقال صاحب جمع الجوامع ما نصه مسألة الغاية قيل منطوق والحق مفهوم يتلوه الشرط ، فالصفة المناسبة ، فمطلق الصفة غير العدد ، فالعدد ، فتقديم المعمول إلخ ، وبهذا تعلم أن مفهوم الشرط في قوله { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } النساء 11 أقوى من مفهوم الظرف في قوله { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } النساء 11 الثاني دلالة الآيات المتقدمة على أن للبنتين الثلثين ، الثالث تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث جابر المذكور آنفاً . الرابع أنه روي عن ابن عباس الرجوع عن ذلك . قال الألوسي في تفسيره ما نصّه وفي شرح الينبوع نقلاً عن الشريف شمس الدين الأرموني أنه قال في شرح فرائض الوسيط ، صحّ رجوع ابن عبّاس رضي الله عنهما عن ذلك فصار إجماعاً اهـ . منه بلفظه . تنبيهان الأول ما ذكره بعض العلماء وجزم به الألوسي في تفسيره من أن المفهوم في قوله { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } مفهوم عدد غلط . والتحقيق هو ما ذكرنا من أنه مفهوم شرط ، وهو اقوى من مفهوم العدد بدرجات كما رايت فيما تقدم . قال في نشر البنود على مراقي السعود في شرح قوله @ وهو ظرف علة وعدد ومنه شَرْط غاية معتمد @@ ما نصّه والمراد بمفهوم الشرط ما فهم من تعليق حكم على شيء بأداة شرط كإن وإذا ، وقال في شرح هذا البيت أيضاً قبل هذا ما نصه ومنها الشرط نحو { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ } الطلاق 6 مفهوم انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط أي فغير أولات حمل لا يجب الإنفاق عليهن ونحو من تطهر صحت صلاته اهـ منه بلفظه . فكذلك قوله { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } النساء 11 علق فيه فرض النصف على شرط هو كون البنت واحدة ، ومفهومه أنه إن انتفى الشرط الذي هو كونها واحدة انتفى المشروط الذي هو فرض النصف كما هو ظاهر ، فإن قيل كذلك المفهوم في قوله { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } النساء 11 لتعليقه بالشرط فالجواب من وجهين الأول أن حقيقة الشرط كونهن نساء . وقوله فوق اثنتين وصف زائد ، وكونها واحدة هو نفس الشرط لا وصف زائد ، وقد عرفت تقديم مفهوم الشرط على مفهوم الصفة ظرفاً كانت أو غيره . الثاني أنا لو سلمنا جدلياً أنه مفهوم شرط لتساقط المفهومان لاستوائهما ويطلب الدليل من خارج ، وقد ذكرنا الأدلة على كون البنتين ترثان الثلثين كما تقدم . الثاني إن قيل فما الفائدة في لفظة فوق اثنتين إذا كانت الاثنتان كذلك ؟ فالجواب من وجهين الأول هو ما ذكرنا من أن حكم الاثنتين أخذ من قوله قبله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } النساء 11 كما تقدم وإذن فقوله { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } تنصيص على حكم الثلاث فصاعداً كما تقدم . الثاني أن لفظة { فَوْقَ } ذكرت لإفادة أن البنات لا يزدن على الثلثين ولو بلغ عددهن ما بلغ . وأما ادعاء أن لفظة { فَوْقَ } زائدة وادعاء أن { فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } معناه اثنتان فما فوقهما فكله ظاهر السقوط كما ترى ، والقرآن ينزه عن مثله وإن قال به جماعة من أهل العلم .