Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 44-45)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التحقيق الذي لا شك فيه ، أن هذا الكلام ، من كلام مؤمن آل فرعون الذي ذكر الله عنه ، وليس لموسى فيه دخل . وقوله { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ } [ غافر : 44 ] ، يعني أنهم يوم القيامة ، يعلمون صحة ما كان يقول لهم ، ويذكرون نصيحته ، فيندمون حيث لا ينفع الندم ، والآيات الدالة على مثل هذا من أن الكفار تنكشف لهم يوم القيامة حقائق ما كانوا يكذبون به في الدنيا كثيرة ، كقوله تعالى : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 66ـ67 ] وقوله تعالى : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] . وقوله تعالى : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 4ـ5 ] وقوله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ التكاثر : 3ـ4 ] وقوله تعالى : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُوا } دليل واضح على أن التوكل الصادق على أن التوكل الصادق على الله ، وتفويض الأمور إليه ، سبب للحفظ والوقاية من كل سوء ، وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف التعليل ، كقولهم سها فسجد ، أي سجد لعلة سهوه ، وسرق فقطعت يده ، أي لعلة سرقته ، كما قدمناه مراراً . وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من كون التوكل على الله سبباً للحفظ ، والوقاية من السوء ، جاء مبنياً في آيات أخر ، كقوله تعالى { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : 3 ] . وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } [ آل عمران : 173ـ174 ] . وقد ذكرنا الآيات الدالة على ذلك بكثرة ، في أول سورة بني إسرائيل ، في الكلام على قوله تعالى : { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } [ الإسراء : 2 ] . والظاهر أن ما في قوله { سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } مصدرية ، أي فوقاه الله سيئات مكرهم ، أي أضرار مكرهم وشدائده ، والمكر : الكيد . فقد دلت هذه الآية الكريمة ، على أن فرعون وقومه أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن الكريم وأن الله وقاه ، أي حفظه ونجاه ، من أضرار مكرهم وشدائده بسبب توكله على الله ، وتفويضه أمره إليه . وبعض العلماء يقول : نجاه الله منهم مع موسى وقومه وبعضهم يقول : صعد جبلاً فأعجزهم الله عنه ونجاه منهم ، وكل هذا لا دليل عليه ، وغاية ما دل عليه القرآن أن الله وقاه سيئات مكرهم ، أي حفظه ونجاه منها . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } معناه أنهم لما أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن ، وقاه الله مكرهم ، ورد العاقبة السيئة عليهم ، فرد سوء مكرهم إليهم ، فكان المؤمن المذكور ناجياً ، في الدنيا والآخرة وكان فرعون وقومه هالكين ، في الدنيا والآخرة والبرزخ . فقال في هلاكهم في الدنيا : { وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ } [ الأنفال : 54 ] الآية ، وأمثالها من الآيات . وقال في مصيرهم في البرزخ { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّا وَعَشِيّاً } [ غافر : 46 ] . وقال في عذابهم في الآخرة : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] . وما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، من حيق المكر السيئ ، بالماكر أوضحه تعالى في قوله { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] . والعرب تقول حاق به المكروه يحيق به حيقاً وحيوقاً ، إذا نزل به وأحاط به ، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة . يقال حاق به السوء والمكروه ، ولا يقال حاق به الخير ، فمادة الحيق من الأجوف الذي هو يائي العين ، والوصف منه حائق على القياس ، ومنه قول الشاعر : @ فأوطأ جُرْد الخيل عقر دِيارِهم وحاقَ بهمْ من يأس ضبَّة حائقُ @@ وقد قدمنا أن وزن السيئة بالميزان الصرفي ، فيعلة من السوء فأدغمت ياء الفيعلة الزائدة في الواو ، التي هي عين الكلمة ، بعد إبدال الواو ياء على القاعدة التصريفية المشار إليها ، في الخلاصة بقوله :