Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 10-10)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } . الظاهر أن معنى قوله هنا في أربعة أيام : أي في تتمة أربعة أيام . وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط ، لأنه تعالى قال : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] ثم قال في أربعة أيام ، أي في تتمة أربعة أيام . ثم قال : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 12 ] فتضم اليومين إلى الأربعة السابقة ، فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما ، ستة أيام . وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال ، لأن الله تعالى صرح في آيات متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام كقوله في الفرقان : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] . وقوله تعالى في السجدة { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ } [ السجدة : 4 ] الآية . وقوله تعالى في ق . { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ ق : 38 ] وقوله تعالى في الأعراف { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ الأعراف : 54 ] الآية . إلى غير ذلك من الآيات . فلو لم يفسر قوله تعالى { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } بأن معناه في تتمة أربعة أيام ، لكان المعنى أنه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ثمانية أيام ، لأن قوله تعالى : { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّام } إذا فسر بأنها أربعة كاملة ثم جمعت مع اليومين اللذين خلقت فيهما الأرض المذكورين في قوله { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] ، واليومين اللذين خلقت فيهما السماوات المذكورين في قوله تعالى : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 12 ] لكان المجموع ثمانية أيام . وذلك لم يقل به أحد من المسلمين . والنصوص القرآنية مصرحة بأنها ستة أيام ، فعلم بذلك صحة التفسير الذي ذكرنا وصحة دلالة الآيات القرآنية عليه . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } قد قدمنا الكلام على أمثاله من الآيات ، في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَبَارَكَ فِيهَا } أي أكثر فيها البركات ، والبركة الخير ، وقوله تعالى { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } . التقدير والخلق في لغة العرب معناهما واحد . والأقوات جمع قوت ، والمراد بالأقوات أرزاق أهل الأرض ومعايشهم وما يصلحهم . وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب ، عن آيات الكتاب : أن آية فصلت هذه ، أعني قوله تعالى : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } يفهم منها الجمع بين الآيات الدالة على أن الأرض خلقت قبل السماء كقوله هنا { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] ثم رتب على ذلك بثم ، قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] إلى قوله { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 12 ] مع بعض الآيات الدالة على أن السماء خلقت قبل الأرض ، كقوله تعالى في النازعات : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] إلى قوله : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] . فقلنا في كتابنا المذكور ما نصه : قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 29 ] الآية ، هذه الآية تدل على أن خلق الأرض قبل خلق السماء ، بدليل لفظة ثم التي هي للترتيب والانفصال . وكذلك آية حم السجدة ، تدل أيضاً على خلق الأرض قبل السماء ، لأنه قال فيها : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] إلى أن قال { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] الآية . مع أن آية النازعات تدل على أن دحو الأرض بعد خلق السماء ، لأنه قال فيها { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] ، ثم قال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] . اعلم أولاً أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الجمع بين آية السجدة وآية النازعات ، فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولاً قبل السماء غير مدحوة ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعاً في يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك . فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء ، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك ، بعد خلق السماء . ويدل لهذا أنه قال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] ولم يقل خلقها ثم فسر دحوه إياها بقوله : { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [ النازعات : 31 ] وهذا الجمع الذي جمع به ابن عباس بين هاتين الآيتين واضح لا إشكال فيه . مفهوم من ظاهر القرآن العظيم إلا أنه يرد عليه إشكال من آية البقرة هذه . وإيضاحه أن ابن عباس جمع بأن خلق الأرض قبل خلق السماء ، ودحوها بما فيها بعد خلق السماء . وفي هذه الآية التصريح بأن جميع ما في الأرض مخلوق قبل خلق السماء لأنه قال فيها { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 29 ] الآية . وقد مكثت زمناً طويلاً أفكر في حل هذا الإشكال حتى هداني الله إليه ذات يوم ففهمته من القرآن العظيم . وإيضاحه : أن هذا الإشكال مرفوع من وجهين ، كل منهما تدل عليه أية من القرآن . الأول : أن المراد بخلق ما في الأرض جميعاً قبل خلق السماء : الخلق اللغوي الذي هو التقدير لا الخلق بالفعل ، الذي هو الإبراز من العدم إلى الوجود ، والعرب تسمي التقدير خلقاً . ومنه قول زهير : @ ولأنت تَفْري ما خلقت وبعض القوم يخلُقُ ثم لا يَفْري @@ والدليل على أن المراد بهذا الخلق التقدير ، أنه تعالى نص على ذلك في سورة فصلت . حيث قال : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَاَ } [ فصلت : 10 ] ثم قال : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] الآية . الوجه الثاني : أنه لما خلق الأرض غير مدحوة وهي أصل لكل ، ما فيها كان كل ما فيها كأنه خلق بالفعل لوجود أصله فعلاً . والدليل من القرآن على أن وجود الأصل يمكن به إطلاق الخلق على الفرع ، وإن لم يكن موجوداً بالفعل ، قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } [ الأعراف : 11 ] الآية ، فقوله { خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } [ الأعراف : 11 ] أي بخلقنا وتصويرنا لأبيكم آدم الذي هو أصلكم . وجمع بعض العلماء بأن معنى قوله { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] أي مع ذلك ، فلفظة بعد ، بمعنى مع . ونظيره قوله تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] وعليه فلا إشكال في الآية . ويستأنس لهذا القول بالقراءة الشاذة وبها قرأ مجاهد ، والأرض مع ذلك دحاها . وجمع بعضهم بأوجه ضعيفة . لأنها مبينة على أن خلق السماء قبل الأرض وهو خلاف التحقيق . منها أن ثم : بمعنى الواو . ومنها : أنها للترتيب الذكري كقوله تعالى : { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ البلد : 17 ] الآية .