Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 16-16)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } . الصرصر : وزنه بالميزان الصرفي فعفل ، وفي معنى الصرصر لعلماء التفسير وجهان معروفان . أحدهما : أن الريح الصرصر هي الريح العاصفة الشديدة الهبوب ، التي يسمع لهبوبها صوت شديد ، وعلى هذا فالصرصر من الصرة ، التي هي الصيحة المزعجة . ومنه قوله تعالى { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } [ الذاريات : 29 ] أي في صيحة ، ومن هذا المعنى صرير الباب والقلم ، أي صوتهما . الوجه الثاني : أن الصرصر من الصر الذي هو البرد الشديد المحرق ، ومنه على أصح التفسيرين قوله تعالى : { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } [ آل عمران : 117 ] الآية . أي فيها برد شديد محرق ، ومنه قول حاتم الطائي : @ أوقد فإن الليل ليل قر والريح يا واقد ريح صرُّ علَّ يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفاً فأنت حرُّ @@ فقوله : ريح صر ، أي باردة شديدة البرد . والأظهر أن كلا القولين صحيح ، وأن الريح المذكورة . جامعة بين الأمرين ، فهي عاصفة شديدة الهبوب ، باردة شديدة البرد . وما ذكره جل وعلا من إهلاكه عاداً بهذه الريح الصرصر ، في تلك الأيام النحسات ، أي المشؤومات النكدات ، لأن النحس ضد السعد ، وهو الشؤم جاء موضحاً في آيات من كتاب الله . وقد بين تعالى في بعضها عدد الأيام والليالي التي أرسل عليهم الريح فيها ، كقوله تعالى : { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } [ الحاقة : 6ـ8 ] وقوله تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 41ـ42 ] : وقوله تعالى : { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 19ـ20 ] وقوله تعالى : { هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [ الأحقاف : 24ـ25 ] الآية . وهذه الريح الصرصر هي المراد بصاعقة عاد في قوله تعالى : { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ } [ فصلت : 13 ] الآية . وقرأ هذا الحرف نافع ، وابن كثير ، وأبو عمر ، نَحْسات ، بسكون الحاء ، وعليه فالنحس ، وصف أو مصدر ، نزل منزلة الوصف . وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، نَحِسات بكسر الحاء ووجهه ظاهر . قد قدمنا أن معنى النحسات : المشؤومات النكدات . وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل : { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } [ القمر : 19 ] . قال : النحس ، البلاء ، والشدة ، قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول : @ سواء عليه أي يوم أتيته أساعة نحس تتقي أم بأسعد @@ وتفسير النحس بالبلاء والشدة تفسير بالمعنى ، لأن الشؤم بلاء وشدة . ومقابلة زهير النحس بالأسعد في بيته يوضح ذلك ، وهو معلوم . ويزعم بعض أهل العلم ، أنها من آخر شوال ، وأن أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ، ولا دليل على شيء من ذلك . وما يذكره بعض أهل العلم من أن يوم النحس المستمر ، هو يوم الأربعاء الأخير من الشهر ، أو يوم الأربعاء مطلقاً ، حتى إن بعض المنتسبين لطلب العلم وكثيراً من العوام صاروا يتشاءمون بيوم الأربعاء الأخير من كل شهر ، حتى إنهم لا يقدمون على السفر ، والتزوج ونحو ذلك فيه ، ظانين أنه يوم نحس وشؤم ، وأن نحسه مستمر على جميع الخلق في جميع الزمن ، لا أصل له ولا معول عليه ، ولا يلتفت إليه ، من عنده علم ، لأن نحس ذلك اليوم مستمر على عاد فقط الذين أهلكهم الله فيه ، فاتصل لهم عذاب البرزخ والآخرة ، بعذاب الدنيا ، فصار ذلك الشؤم مستمراً عليهم استمراراً لا انقطاع له . أما غير عاد فليس مؤاخذاً بذنب عاد ، لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى . وقد أردنا هنا أن نذكر بعض الروايات التي اغتر بها ، من ظن استمرار نحس ذلك اليوم ، لنبين أنها لا معول عليها . قال صاحب الدر المنثور : وأخرج ابن أبي حاتم عن زر بن حبيش { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُستمرٍ } [ القمر : 19 ] " قال : يوم الأربعاء " . وأخرج ابن مردويه عن علي قال : " نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد والحجامة ويوم الأربعاء يوم نحس مستمر " . وأخرج ابن المنذر وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال لي جبريل أقض باليمين مع الشاهد . وقال : يوم الأربعاء يوم نحس مستمر " . وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يوم نحس يوم الأربعاء " . وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأيام ، وسئل عن يوم الأربعاء قال : " يوم نحس " ، قالوا كيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : " أغرق فيه الله فرعون وقومه ، وأهلك عاداً وثمود " . وأخرج وكيع في الغرر وابن مردويه والخطيب بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر " . فهذه الرويات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء على من لم يكفر بالله ولم يعصه لأن أغلبها ضعيف وما صح معناه منها ، فالمراد بنحسه شؤمه على أولئك الكفرة العصاة الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم . فالحاصل أن النحس والشؤم إنما منشأه وسببه الكفر والمعاصي . أما من كان متقياً لله مطيعاً له ، في يوم الأربعاء المذكور فلا نحس ، ولا شؤم فيه عليه . فمن أراد أن يعرف النحس والشؤم والنكد ، والبلاء والشقاء على الحقيقة ، فليتحقق أن ذلك كله في معصية الله وعدم امتثال أمره ، والعلم عند الله تعالى .