Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 25-25)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } . لعلماء التفسير في تفسير قوله : { وَقَيَّضْنَا } عبارات يرجع بعضها ، في المعنى إلى بعض . كقول بعضهم : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } أي جئناهم بهم : وأتحناهم لهم . وكقول بعضهم : { وَقَيَّضْنَا } أي هيأنا . وقول بعضهم : { وَقَيَّضْنَا } أي سلطنا . وقول بعضهم : أي بعثنا ووكلنا . وقول بعضهم : { وَقَيَّضْنَا } أي سببنا . وقول بعضهم : قدرنا ونحو ذلك من العبارات ، فإن جميع تلك العبارات راجع إلى شيء واحد ، وهو أن الله تبارك وتعالى هيأ للكافرين قرناء من الشياطين يضلونهم عن الهدى ويزينون لهم الكفر والمعاصي وقدرهم عليهم . والقرناء : جمع قرين وهم قرناؤهم من الشياطين على التحقيق . وقوله { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة : { وَمَا خَلْفَهُمْ } أي من أمر الآخرة ، فدعوهم إلى التكذيب به ، وإنكار البعث . وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، أنه تعالى قيض للكفار قرناء من الشياطين ، يضلونهم عن الهدى ، بينه في مواضع أخر من كتابه . وزاد في بعضها سبب تقييضهم لهم ، وأنهم مع إضلالهم لهم ، يظنون أنهم مهتدون ، وأن الكافر يوم القيامة يتمنى أن يكون بينه وبين قرينه من الشياطين بعد عظيم ، وأنه يذمه ذلك اليوم كما قال تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [ الزخرف : 36ـ38 ] . فترتيبه قوله : نقيض له شيطاناً ، على قوله ومن يعش عن ذكر الرحمن ، ترتيب الجزاء على الشرط يدل على أن سبب تقييضه له ، هو غفلته عن ذكر الرحمن . ونظير ذلك قوله تعالى : { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } [ الناس : 4 ] لأن الوسواس هو كثير الوسوسة ليضل بها الناس ، والخناس هو كثير التأخر والرجوع عن إضلال الناس ، من قولهم : خنس بالفتح يخنس بالضم إذا تأخر . فهو وسواس عند الغفلة عن ذكر الرحمن ، خناس عند ذكر الرحمن ، كما دلت عليه آية الزخرف المذكورة ، ودل عليه قوله تعالى : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } [ النحل : 99ـ100 ] لأن الذين يتولونه ، والذين هم به مشركون ، غافلون عن ذكر الرحمن ، وبسبب ذلك قيضه الله لهم فأضلهم . ومن الآيات الدالة على تقييض الشياطين للكفار ليضلوهم ، قوله تعالى : { أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } [ مريم : 83 ] ، وقد أوضحنا الآيات الدالة على ذلك في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : { أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } الآية . وبينا هناك أقوال أهل العلم في معنى { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } . وبينا أيضاً هناك أن من الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } [ الأنعام : 128 ] أي استكثرتم من إضلال الإنس في دار الدنيا ، وقوله : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } [ الأعراف : 202 ] . ومنها أيضاً قوله تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [ يس : 60 ] إلى قوله : { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } [ يس : 62 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد دل قوله في آية الزخرف : { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [ الزخرف : 38 ] على أن قرناء الشياطين المذكورين في آية فصلت ، وآية الزخرف وغيرهما ، جديرين بالذم الشديد ، وقد صرح تعالى بذلك في سورة النساء في قوله : { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً } [ النساء : 38 ] لأن قوله : { فَسَآءَ قِرِيناً } بمعنى { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } ، لأن كلا من ساء وبئس فعل جامد لإنشاء الذم كما ذكره في الخلاصة بقوله : @ واجعل كبئس ساء واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا @@ واعلم أن الله تعالى بين أن الكفار الذين أضلهم قرناؤهم من الشياطين يظنون أنهم على هدى ، فهم يحسبون أشد الضلال ، أحسن الهدى ، كما قال تعالى عنهم : { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 37 ] وقال تعالى : { إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [ الأعراف : 30 ] . وبين تعالى أنهم بسبب ذلك الظن الفاسد هم أخسر الناس أعمالاً في قوله تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103ـ104 ] . وقوله تعالى في سورة الزخرف : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الزخرف : 36 ] من قولهم عشا بالفتح عن الشيء ، يعشو بالضم إذا ضعف بصره عن إدراكه ، لأن الكافر أعمى القلب . فبصيرته تضعف عن الاستنارة بذكر الرحمن ، وبسبب ذلك يقيض الله له قرناء الشياطين . قوله تعالى : { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } الآية . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يس في الكلام على قوله تعالى : { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } [ يس : 7 ] الآية .