Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 52-52)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } . قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ النحل : 2 ] الآية . قوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } . قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } . يبين الله جل وعلا فيه مِنَّتِهِ على هذا النبي الكريم ، بأنه علمه هذا القرآن العظيم ولم يكن يعلمه قبل ذلك ، وعلمه تفاصيل دين الإسلام ولم يكن يعلمها قبل ذلك . فقوله : ما كنت تدري ما الكتاب : أي ما كنت تعلم ما هو هذا الكتاب الذي هو القرآن العظيم ، حتى علمتكه ، وما كنت تدري ما الإيمان الذي هو تفاصيل هذا الدين الإسلامي ، حتى علمتكه . ومعلوم أن الحق الذي لا شك فيه الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان شامل للقول والعمل مع الاعتقاد . وذلك ثابت في أحاديث صحيحة كثيرة ، منها : حديث وفد عبد القيس المشهور ، ومنها حديث : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً " الحديث ، فسمى فيه قيام رمضان إيماناً ، وحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة " ، وفي بعض رواياته " بضع وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " . والأحاديث بمثل ذلك كثيرة ويكفي في ذلك ما أورده البيهقي في شعب الإيمان فهو صلوات الله وسلامه عليه ما كان يعرف تفاصيل الصلوات المكتوبة وأوقاتها ولا صوم رمضان ، وما يجوز فيه وما لا يجوز ولم يكن يعرف تفاصيل الزكاة ولا ما تجب فيه ولا قدر النصاب وقدر الواجب فيه ولا تفاصيل الحج ونحو ذلك ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : { وَلاَ ٱلإِيمَانُ } . وما ذكره هنا من أنه لم يكن يعلم هذه الأمور حتى علمه إياها بأن أوحى إليه هذا النور العظيم الذي هو كتاب الله ، جاء في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] الآية . وقوله جل وعلا { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] . فقوله في آية يوسف هذه : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] كقوله هنا { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] وقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] على أصح التفسيرات كما قدمناه في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى : { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [ الشعراء : 20 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ } ، الضمير في قوله : جعلناه راجع إلى القرآن العظيم المذكور في قوله : { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وقوله : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ } أي ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم نوراً نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا . وسمي القرآن نوراً ، لأنه يضيء الحق ويزيل ظلمات الجهل والشك والشرك . وما ذكره هنا من أن هذا القرآن نور ، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } [ النساء : 174 ] . وقوله تعالى { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } [ الأعراف : 157 ] وقوله تعالى : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ المائدة : 15 - 16 ] وقوله تعالى : { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا } [ التغابن : 8 ] . وما دلت عليه هذه الآيات الكريمة من كون هذا القرآن نوراً يدل على أنه هو الذي يكشف ظلمات الجهل ، ويظهر في ضوئه الحق ، ويتميز عن الباطل ويميز به بين الهدى والضلال والحسن والقبيح . فيجب على كل مسلم أن يستضيء بنوره ، فيعتقد عقائده ، ويحل حلاله ، ويحرم حرامه ويمتثل أوامره ويجتنب ما نهى عنه ويعتبر بقصصه وأمثاله . والسنة كلها داخلة في العمل به ، لقوله تعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . الصراط المستقيم ، قد بينه تعالى في قوله : { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 6 - 7 ] . وقوله في هذه الآية الكريمة { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ } الآية ، قد بينا الآيات الموضحة له في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم } [ فصلت : 17 ] الآية ، وبينا هناك وجه الجمع بين قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم } [ الشورى : 52 ] مع قوله { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] . والصراط في لغة العرب : الطريق الواضح ، والمستقيم . الذي لا اعوجاج فيه ، ومنه قول جرير :