Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 15-15)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } . قال بعض العلماء { جُزْءًا } أي عدلاً ونظيراً ، يعني الأصنام وغيرها من المعبودات من دون الله . وقال بعض العلماء : { جُزْءًا } أي ولداً . وقال بعض العلماء : { جُزْءًا } يعني البنات . وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية : أن الجزء النصيب ، واستشهد على ذلك بآية الأنعام . أعني قوله تعالى : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] الآية . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الذي يظهر أن قول ابن كثير هذا رحمه الله غير صواب في الآية . لأن المجعول لله في آية الأنعام ، هو النصيب مما ذرأ من الحرث والأنعام ، والمجعول له في آية الزخرف هذه ، جزء من عباده لا مما ذرأ من الحرث والأنعام . وبين الأمرين فرق واضح كما ترى . وأن قول قتادة ومن وافقه : إن المراد بالجزء العدل والنظير الذي هو الشريك غير صواب أيضاً . لأن إطلاق الجزء على النظير ليس بمعروف في كلام العرب . أما كون المراد بالجزء في الآية الولد ، وكون المراد بالولد خصوص الإناث ، فهذا هو التحقيق في الآية . وإطلاق الجزء على الولد يوجه بأمرين : أحدهما : ما ذكره بعض علماء العربية من أن العرب تطلق الجزء مراداً به البنات ، ويقولون : أجزأت المرأة إذا ولدت البنات ، وامرأة مجزئة أي تلد البنات ، قالوا ومنه قول الشاعر : @ إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحياناً @@ وقول الآخر : @ زوجتها من بنات الأوس مجزئة للعوسج اللدن في أبياتها زجل @@ وأنكر الزمخشري هذه اللغة قائلاً إنها كذب وافتراء على العرب . قال في الكشاف في الكلام على هذه الآية الكريمة : ومن بدع التفاسير ، تفسير الجزء بالإناث وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث ، وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث منحول ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه أجزأت المرأة ثم صنعوا بيتاً وبيتاً : @ @ * إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب * @@ @@ زوجتها من بنات الأوس مجزئة ا هـ . منه بلفظه . وقال ابن منظور في اللسان : وفي التنزيل العزيز : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } [ الزخرف : 15 ] . قال أبو إسحاق يعني به الذين جعلوا الملائكة بنات الله تعالى وتقدس عما افتروا ، قال : وقد أنشدت بيتاً يدل على أن معنى جزءاً معنى الإناث قال : ولا أدري البيت هو قديم أم مصنوع ؟ * إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب * والمعنى في قوله : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } [ الزخرف : 15 ] أي جعلوا نصيب الله من الولد الإناث ، قال ولم أجده في شعر قديم ولا رواه عن العرب الثقات ، وأجزأت المرأة ولدت الإناث ، وأنشد أبو حنيفة : @ * زوجتها من بنات الأوس مجزئة * @@ انتهى الغرض من كلام صاحب اللسان . وظاهر كلامه هذا الذي نقله عن الزجاج أن قولهم : أجزأت المرأة إذا ولدت الإناث معروف ، ولذا ذكره وذكر البيت الذي أنشده له أبو حنيفة كالمسلم له . والوجه الثاني : وهو التحقيق إن شاء الله أن المراد بالجزء في الآية الولد ، وأنه أطلق عليه اسم الجزء ، لأن الفرع كأنه جزء من أصله والولد كأنه بضعة من الوالد كما لا يخفى . وأما كون المراد بالولد المعبر عنه بالجزء في الآية خصوص الإناث فقرينة السياق دالة عليه دلالة واضحة ، لأن جعل الجزء المذكور لله من عباده هو بعينه الذي أنكره الله إنكاراً شديداً وقرع مرتكبه تقريعاً شديداً في قوله تعالى بعده { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } [ الزخرف : 16 - 17 ] إلى قوله : { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [ الزخرف : 18 ] . وقرأ هذا الحرف شعبة عن عاصم { جُزْءًا } بضم الزاي وباقي السبعة بإسكانها وحمزة عند الوقف يسقط الهمزة ، بنقل حركتها إلى الزاي مع حذف التنوين للوقف .