Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 89-89)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ هذا الحرف ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : ( فسوف يعلمون ) بياء الغيبة ، وقرأ نافع وابن عامر ( فسوف تعلمون ) بتاء الخطاب . وهذه الآية الكريمة تضمنت ، ثلاثة أمور : الأول : أمره صلى الله عليه وسلم بالصفح عن الكفار . والثاني : أن يقول لهم سلام . والثالث : تهديد الكفار ، بأنهم سيعلمون حقيقة الأمر وصحة ما يوعد به الكافر من عذاب النار . وهذه الأمور الثلاثة جاءت موضحة في غير هذا الموضع : كقوله تعالى في الأول { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ] ، وقوله تعالى { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ } [ الأحزاب : 48 ] . والصفح الإعراض عن المؤاخذة بالذنب . قال بعضهم : وهو أبلغ من العفو . قالوا : لأن الصفح أصله مشتق من صفحة العنق ، فكأنه يولي المذنب بصفحة عنقه معرضاً عن عتابه فما فوقه . وأما الأمر الثاني ، فقد بين تعالى أنه هو شأن عباده الطيبين . ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم سيدهم كما قال تعالى { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] ، وقال تعالى : { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55 ] . وقال عن إبراهيم إنه قال له أبوه : { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } [ مريم : 46 ] قال له { سَلاَمٌ عَلَيْكَ } [ مريم : 47 ] . ومعنى السلام في الآيات المذكورة ، إخبارهم بسلامة الكفار من أذاهم ، ومن مجازاتهم لهم بالسوء ، أي سلمتم منا لا نسافهكم ، ولا نعاملكم بمثل ما تعاملوننا . وأما الأمر الثالث الذي هو تهديد الكفار بأنهم سيعلمون الحقيقة قد جاء موضحاً في آيات كتاب الله كقوله تعالى : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] وقوله تعالى : { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 67 ] وقوله : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 4 - 5 ] . وقوله تعالى : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ التكاثر : 3 - 4 ] . وقوله تعالى : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [ التكاثر : 6 - 7 ] إلى غير ذلك من الآيات . وكثير من أهل العلم يقول : إن قوله تعالى : { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ } [ 89 ] وما في معناه منسوخ بآيات السيف ، وجماعات من المحققين يقولون هو ليس بمنسوخ . والقتال في المحل الذي يجب فيه القتال ، والصفح عن الجهلة ، والإعراض عنهم ، وصف كريم ، وأدب سماوي ، لا يتعارض مع ذلك ، والعلم عند الله تعالى .