Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 26-26)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } . لفظة { إن } في هذه الآية الكريمة فيها للمفسرين ثلاثة أوجه ، يدل استقراء القرآن ، على أن واحداً منها هو الحق ، دون الاثنين الآخرين . قال بعض العلماء : إن شرطية وجزاء الشرط محذوف ، والتقدير إن مكناكم فيه طغيتم وبغيتم . وقال بعضهم : إن زائدة بعد ما الموصولة حملا لما الموصولة على ما النافية لأن ما النافية تزاد بعدها لفظة إن كما هو معلوم . كقول قتيلة بنت الحرث والنضر العبدرية : @ أبلغ بها ميتاً بأن تحية ما إن نزل بها النجائب تخفق @@ وقول دريد بن الصمة في الخنساء : @ ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم طالى أينق جرب @@ فإن زائدة بعد ما النافية في البيتين وهو كثير ، وقد حملوا على ذلك ما الموصولة فقالوا : تزاد بعدها إن كآية الأحقاف هذه . وأنشد لذلك الأخفش : @ يرجى المرء ما إن لا يراه وتعرض دون أدناه الخطوب @@ أي يرجى المرء الشيء الذي لا يراه ، وإن زائدة ، وهذان هما الوجهان اللذان لا تظهر صحة واحد منهما . لأن الأول منها فيه حذف وتقدير . والثاني منهما فيه زيادة كلمة . وكل ذلك لا يصار إليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه . أما الوجه الثالث الذي هو الصواب إن شاء الله ، فهو أن لفظة إن نافية بعد ما الموصولة أي وقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه من القوة في الأجسام ، وكثرة الأموال والأولاد ، والعدد . وإنما قلنا : إن القرآن يشهد لهذا القول لكثرة الآيات الدالة عليه ، فإن الله جل وعلا في آيات كثيرة من كتابه يهدد كفار مكة بأن الأمم الماضية كانت أشد منهم بطشاً وقوة ، وأكثر منهم عدداً ، وأموالاً ، وأولاداً ، فلما كذبوا الرسل ، أهلكهم الله ليخافوا من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أن يهلكهم الله بسببه ، كما أهلك الأمم التي هي أقوى منهم ، كقوله تعالى في المؤمن { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ غافر : 82 ] . وقوله فيها أيضاً : { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } [ غافر : 21 ] الآية . وقوله تعالى في الروم : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } [ الروم : 9 ] الآية . وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى : { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الزخرف : 8 ] .