Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 35-35)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُل } . اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً . وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة ، وهم الذين قدمنا ذكرهم في الأحزاب والشورى ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام . وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا أربعة فصار هو صلى الله عليه وسلم خامسهم . واعلم أن القول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وأن لفظة من ، في قوله : من الرسل بيانية يظهر أنه خلاف التحقيق ، كما دل على ذلك بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى : { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [ القلم : 48 ] الآية ، فأمر الله جل وعلا نبيه في آية القلم هذه بالصبر ، ونهاه عن أن يكون مثل يونس ، لأنه هو صاحب الحوت وكقوله : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] فآية القلم ، وآية طه المذكورتان كلتاهما تدل على أن أولي العزم من الرسل الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } . نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة ، أن يستعجل لقومه ، أي يدعو الله عليهم بتعجيله لهم ، فمفعول تستعجل محذوف تقديره العذاب ، كما قاله القرطبي ، وهو الظاهر . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن طلب تعجيل العذاب لهم جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى : { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } [ المزمل : 11 ] . وقوله تعالى { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] . فإن قوله { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } ، وقوله : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] موضح لمعنى قوله { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } . والمراد بالآيات ، نهيه صلى الله عليه وسلم عن طلب تعجيل العذاب لهم ، لأنهم معذبون ، لا محالة عند انتهاء المدة المحددة للإمهال ، كما يوضحه قوله تعالى { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } [ مريم : 84 ] وقوله تعالى { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] وقوله تعالى { قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 126 ] الآية . وقوله تعالى : { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 - 197 ] وقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 - 70 ] إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } . قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } [ يونس : 45 ] وفي سورة قد أفلح المؤمنون في الكلام على قوله تعالى : { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ ٱلْعَآدِّينَ } [ المؤمنون : 113 ] . وبينا في الكلام على آية قد أفلح المؤمنون وجه إزالة إشكال معروف في الآيات المذكورة . قوله تعالى : { بَلاَغٌ } . التحقيق إن شاء الله أن أصوب القولين في قوله : { بَلاَغٌ } أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره ، هذا بلاغ ، أي هذا القرآن بلاغ من الله إلى خلقه . ويدل لهذا قوله تعالى في سورة إبراهيم { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } [ إبراهيم : 52 ] ، وقوله في الأنبياء { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 106 ] ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن . والبلاغ اسم مصدر ، بمعنى التبليغ ، وقد علم باستقراء اللغة العربية ، أن الفعال يأتي كثيراً ، بمعنى التفعيل ، كبلغه بلاغاً : أي تبليغاً ، وكلمه كلاماً ، أي تكليماً ، وطلقها طلاقاً ، وسرحها سراحاً ، وبينه بياناً . كل ذلك بمعنى التفعيل ، لأن فعل مضعفة العين ، غير معتلة اللام ولا مهموزته قياس مصدرها التفعيل . وما جاء منه على خلاف ذلك ، يحفظ ولا يقاس عليه ، كما هو معلوم في محله . أما القول بأن المعنى وذلك اللبث بلاغ ، فهو خلاف الظاهر كما ترى ، والعلم عند الله تعالى .