Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 32-32)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظاهر أن صدوا في هذه الآية متعدية ، والمفعول محذوف ، أي كفروا وصدوا غيرهم عن سبيل الله فهم ضالون مضلون . وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم } [ النحل : 97 ] . الآية . أن التأسيس مقدم على التوكيد كما هو مقرر في الأصول . وصدوا هنا ، إن قدرت لازمة فمعنى الصدود الكفر ، فتكون كالتوكيد لقوله كفروا . وإن قدرت متعدية كان ذلك تأسيساً . لأن قوله : كفروا يدل على كفرهم في أنفسهم . وقوله : وصدوا على أنه متعد يدل على أنهم حملوا غيرهم على الكفر وصدوه عن الحق ، وهذا أرجح مما قبله . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُول } أي خالفوا محمداً صلى الله عليه وسلم مخالفة شديدة . وقد دلت هذه الآية الكريمة على أمرين أحدهما أن الذين كفروا وصدوا غيرهم عن الحق وخالفوه صلى الله عليه وسلم لن يضروا الله بكفرهم شيئاً ، لأنه غني لذاته الغنى المطلق . والثاني أنهم إنما يضرون بذلك أنفسهم ، لأن ذلك الكفر سبب لإحباط أعمالهم ، كما قال تعالى : { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } . وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة جاءا موضحين في آيات من كتاب الله . فمن الآيات الدالة على الأول الذي هو غنى الله عن خلقه ، وعدم تضرره بمعصيتهم ، قوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 97 ] . وقوله تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } [ الزمر : 7 ] . وقوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ إبراهيم : 8 ] . وقوله تعالى : { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 68 ] . وقوله تعالى : { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ التغابن : 6 ] . وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] إلى غير ذلك من الآيات . ومن الآيات الدالة على الثاني وهو إحباط أعمالهم بالكفر أي إبطالها به قوله تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] . وقوله تعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [ إبراهيم : 18 ] الآية . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [ النور : 39 ] . وقوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ هود : 16 ] إلى غير ذلك من الآيات .