Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 35-35)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير حمزة وشعبة عن عاصم إلى السلم بفتح السين . وقرأ حمزة وشعبة إلى السلم بكسر السين . وقوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُوا } أي لا تضعفوا وتذلوا ، ومنه قوله تعالى : { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 146 ] . وقوله تعالى : { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } [ الأنفال : 18 ] أي مضعف كيدهم ، وقول زهير بن أبي سلمى : @ وأخلفتك ابنة البكري ما وعدت فأصبح الحبل منها واهناً خلقا @@ وقوله تعالى : { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْن } جملة حالية فلا تضعفوا عن قتال الكفار وتدعوا إلى السلم ، اي تبدؤوا بطلب السلم أي الصلح والمهادنة وأنتم الأعلون . أي والحال أنكم انتم الأعلون أي الأقهرون والأغلبون لأعدائكم ، ولأنكم ترجون من الله من النصر والثواب ما لا يرجون . وهذا التفسير في قوله { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْن } هو الصواب . وتدل عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى بعده { وَاللَّهُ مَعَكُمْ } لأن من كان الله معه هو الأعلى وهو الغالب وهو القاهر المنصور الموعود بالثواب . فهو جدير بأن لا يضعف عن مقاومة الكفار ولا يبدأهم بطلب الصلح والمهادنة . وكقوله تعالى : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ غافر : 51 ] الآية ، وقوله { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } [ الروم : 47 ] وقوله تعالى { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 14 ] الآية . ومما يوضح معنى آية القتال هذه قوله تعالى : { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } [ النساء : 104 ] الآية ، لأن قوله تعالى { وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } من النصر الذي وعدكم الله به والغلبة وجزيل الثواب . وذلك كقوله هنا { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْن } وقوله : { وَٱللَّهُ مَعَكُم } أي بالنصر والإعانة والثواب . واعلم أن آية القتال هذه لا تعارض بينها وبين آية الأنفال حتى يقال إن إحداهما ناسخة للأخرى ، بل هما محكمتان وكل واحدة منهما منزلة على حال غير الحال التي نزلت عليه الأخرى . فالنهي في آية القتال هذه في قوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْم } إنما هو عن الابتداء بطلب السلم . والأمر بالجنوح إلى السلم في آية الأنفال محله فيما إذا ابتدأ الكفار بطلب السلم والجنوح لها ، كما هو صريح قوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [ الأنفال : 61 ] الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } قد قدمنا الآيات الموضحة له في آخر سورة النحل في الكلام على قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] وهذا الذي ذكرنا في معنى هذه الآية أولى وأصوب مما فسرها به ابن كثير رحمه الله . وهو أن المعنى : لا تدعوا إلى الصلح والمهادنة وأنتم الأعلون أي في حال قوتكم وقدرتكم على الجهاد . أي ، وأما إن كنتم في ضعف وعدم قوة فلا مانع من أن تدعوا إلى السلم أي الصلح والمهادنة ، ومنه قول العباس بن مرداس السلمي : @ السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب تكفيك من أنفاسها جرع @@ وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم . وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة من عدم نقصه تعالى شيئاً من ثواب الأعمال جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } [ الحجرات : 14 ] أي لا ينقصكم من ثوابها شيئاً . وقوله تعالى : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة ، وقد قدمناها مراراً . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَلَن يَتِرَكُم } أصله من الوتر ، وهو الفرد . فأصل قوله : لن يتركم لن يفردكم ويجردكم من أعمالكم بل يوفيكم إياها .