Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-1)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { لاَ تُقَدِّمُواْ } فيه لعلماء التفسير ثلاثة أوجه : الأول منها وهو أصحها وأظهرها أنه مضارع قدم اللازمة بمعنى تقدم . ومنه مقدمة الجيش ومقدمة الكتاب بكسر الدال فيهما ، وهو اسم فاعل قدم بمعنى تقدم . ويدل لهذا الوجه قراءة يعقوب من الثلاثة الذين هم تمام العشرة لا تقدموا بفتح التاء والدال المشددة وأصله لا تتقدموا فحذفت إحدى التاءين . الوجه الثاني : أنه مضارع قدم المتعدي ، والمفعول محذوف لإرادة التعميم أي لا تقدموا قولاً ولا فعلاً بين يدي الله ورسوله بل أمسكوا عن ذلك حتى تصدروا فيه عن أمر الله ورسوله . الوجه الثالث : أنه مضارع قدم المتعدية ولكنها أجريت مجرى اللازم ، وقطع النظر عن وقوعها على مفعولها ، لأن المراد هو أصل الفعل دون وقوعه على مفعوله . ونظير ذلك قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } [ المؤمنون : 80 ] اي هو المتصف بالإحياء والإماتة ، ولا يراد في ذلك وقوعهما على مفعول . وكقوله تعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] لأن المراد ، أن المتصفين بالعلم لا يستوون مع غير المتصفين به . ولا يراد هنا وقوع العلم على مفعول ، وكذلك على هذا القول : لا تقدموا ، لا تكونوا من المتصفين بالتقديم . وقد قدمنا في كلامنا الطويل على آية : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } [ النساء : 82 ] أن لفظة بين يديه معناها أمامه ، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك . والمعنى لا تتقدموا أمام الله ورسوله : فتقولوا في شيء بغير علم ولا إذن من الله ، وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله ، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً تشريع ما لم يأذن به الله وتحريم ما لم يحرمه ، وتحليل ما لم يحلله ، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا حلال إلا ما أحله الله ، ولا دين إلا ما شرعه الله . وقد أوضحنا هذه بالآيات القرآنية بكثرة في سورة شورى في الكلام على قوله تعالى : { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 10 ] وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } [ الكهف : 26 ] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 9 ] وفي غير ذلك من المواضع . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي بامتثال أمره واجتناب نهيه . وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فهو سميع لكل ما تقولون من التقديم بين يديه وغيره ، عليم بكل ما تفعلون من التقديم بين يديه وغيره .