Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 47-47)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيه } . لم يبين هنا شيئاً مما أنزل في الإنجيل الذي أمر أهل الإنجيل بالحكم به ، وبين في مواضع أخر أن من ذلك البشارة بمبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ووجوب اتباعه . والإيمان به كقوله { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } الصف 6 ، وقوله تعالى { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيل } الأعراف 157 الآية ، إلى غير ذلك من الآيات . لطيفة لها مناسبة بهذه الآية الكريمة ذكر بعض العلماء أن نصرانياً قال لعالم من علماء المسلمين ناظرني في الإسلام والمسيحية أيهما أفضل ؟ فقال العالم للنصراني هلم إلى المناظرة في ذلك ، فقال النصراني المتفق عليه أحق بالاتباع أم المختلف فيه ؟ فقال العالم المتفق عليه أحق بالاتباع من المختلف فيه . فقال النصراني إذن يلزمكم اتباع عيسى معنا ، وترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، لأننا نحن وأنتم نتفق على نبوة عيسى ، ونخالفكم في نبوة محمد عليهما الصلاة والسلام ، فقال المسلم أنتم الذين تمتنعون من اتباع المتفق عليه ، لأن المتفق عليه الذي هو عيسى قال لكم { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَد } الصف 6 ، فلو كنتم متبعين عيسى حقاً لاتبعتم محمداً صلى الله عليه وسلم ، فظهر أنكم أنتم الذين لم تتبعوا المتفق عليه ولا غيره ، فانقطع النصراني . ولا شك أن النصارى لو كانوا متبعين عيسى ، لاتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . قد قدمنا أن هذه الآية في النصارى ، والتي قبلها في اليهود ، والتي قبل تلك في المسلمين ، كما يقتضيه ظاهر القرآن . وقد قدمنا أن الكفر ، والظلم ، والفسق كلها يطلق على المعصية بما دون الكفر ، وعلى الكفر المخْرج من الملة نفسه . فمن الكفر بمعنى المعصية . قوله صلى الله عليه وسلم " لما سألته المرأة عن سبب كون النساء أكثر أهل النار ، إن ذلك واقع بسبب كفرهن " ثم فسره بأنهن يكفرن العشير ، ومن الكفر بمعنى المخرج عن الملة ، قوله تعالى { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } الكافرون 1 - 2 الآية . ومن الظلم بمعنى الكفر قوله تعالى { وَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } البقرة 254 ، وقوله { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } يونس 106 ، وقوله { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان 13 ، ومنه بمعنى المعصية قوله تعالى { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } فاطر 32 الآية ، ومن الفسق بمعنى الكفر قوله { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } السجدة 20 الآية ، ومنه بمعنى المعصية قوله في الذين قذفوا عائشة ، رضي الله عنها { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } النور 4 . ومعلوم أن القذف ليس بمخرج عن الملة ، ويدل له قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } النور 11 ، ومن الفِسق بمعنى المعصية أيضاً ، قوله في الوليد بن عقبة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } الحجرات 6 الآية . وقد قدمنا أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، فمن كان امتناعه من الحكم بما أنزل الله ، لقصد معارضته ورده ، والامتناع من التزامه ، فهو كافر ظالم فاسق كلها بمعناها المخرج من الملة ، ومن كان امتناعه من الحكم لهوى ، وهو يعتقد قبح فعله ، فكفره وظلمه وفسقه غير المخرج من الملة ، إلا إذا كان ما امتنع من الحكم به شرطاً في صحة إيمانه ، كالامتناع من اعتقاد ما لا بد من اعتقاده ، هذا هو الظاهر في الآيات المذكورة ، كما قدمنا والعلم عند الله تعالى .