Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 90-90)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } الآية . يفهم مِن هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين ، لأن الله تعالى قال إنها رجس ، والرِّجْس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس . وقيل إن أصله من الركس ، وهو العذرة والنتن . قال بعض العلماء ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنَّة { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } الإنسان 21 ، لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه ، أن خمر الدنيا ليستْ كذلك ، ومما يؤيِّد هذا أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا ، كقوله { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } الصافات 47 ، وكقوله { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } الواقعة 19 ، بخلاف خمر الدنيا ففيها غَوْل يغتال العقُول وأهلها يصدَّعون . أي يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها ، وقوله { وَلاَ يُنزِفُونَ } على قراءة فتح الزاي مبنياً للمفعول ، فمعناه أنهم لا يسكرون ، والنزيف السكران ، ومنه قول حميد بن ثور @ نزيف ترى ردع العبير بجيبها كما ضرج الضاري النزيفُ المكلما @@ يعني أنها في ثقل حركتها كالسكران ، وأن حمرة العبير الذي هو الطيب في جيبها كحمرة الدم على الطريد الذي ضرجه الجوارح بدمه فأصابه نزيف الدم من جرح الجوارح له ، ومنه أيضاً قول امرئ القيس @ وإذ هي تمشي كمشّي النزيف يصرعه بالكثِيب البهر @@ وقوله أيضاً @ نزيف إذا قامتْ لوجه تمايلت تراشى الفؤاد الرخص ألا تخترا @@ وقول ابن أبِي ربيعة أو جميل @ فلثمتُ فاها آخذاً بقرونِها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج @@ وعلى قراءة { يُنزِفُونَ } بكسر الزاي مبنياَ للفاعل ، ففيه وجهان من التفسير للعلماء أحدهما أنه من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر . ونظيره قولهم أحصد الزرع إذا حان حصاده وأقطف العنب إذا حان قطافه ، وهذا القول معناه راجع إلى الأول . والثاني أنه من أنزف القوم إذا فنيت خمورهم ، ومنه قول الحَطيئة @ لعمري لئن أنزفتموا أو صحوتموا لَبِئس الندامى أنتم آل ابجرا @@ وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين لما ذكرنا ، وخالف في ذلك ربيعة واللَّيث ، والمزني صاحب الشافعي ، وبعض المتأخِّرين من البغدادِيِّين والقرويِّين ، كما نقله عنهم القرطبي في تفسيره . واستدلُّوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية من مال ميسر ، ومال قِمار وأنصاب وأَزلام ليست نجسة العين ، وإن كانت محرَّمة الاستعمال . وأُجيب من جهة الجمهور بأن قوله { رِجسٌ } يقتضي نجاسة العين في الكل ، فما أخْرجه إجماع ، أو نصّ خرج بذلك ، وما لم يخْرجه نصّ ولا إجماع ، لزم الحكم بنجاسته ، لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصّص من المخصصات ، لا يسقط الاحتجاج به في الباقي ، كما هو مقرر في الأصول ، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود @ وهو حجّة لدى الأكثر إن مخصّص له معيناً يبِن @@ وعلى هذا ، فالمسكر الذي عمت البلوى اليوم بالتطيُّب به المعروف في اللِّسان الدارجي بالكولانيا نجس لا تجوز الصلاة به ، ويؤيده أن قوله تعالى في المسكر { فَٱجْتَنِبُوهُ } يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المُسكر ، وما معه في الآية بوجه من الوجوه ، كما قاله القرطبي وغيره . قال مُقيِّده عفا الله عنه لا يخفَى على منصف أن التضمخ بالطِّيب المذكور والتلذذ بريحه واستطابته . واستحسانه مع أنه مسكر ، والله يصرح في كتابه بأن الخمر رجس فيه ما فيه ، فليس للمسلم أن يتطيب بما يسمع ربَّه يقول فيه إنه { رِجْسٌ } كما هو واضح ، ويؤيده " أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة الخمر " فلو كانت فيها منفعة أخرى لبينها ، كما بين جواز الانتفاع بجلود الميتة ، ولما أراقها . واعلم أن ما استدل به سعيد بن الحداد القروي على طهارة عَين الخمر بأن الصحابة أراقوها في طرق المدينة ، ولو كانت نجسة ، لما فعلوا ذلك ولَنهاهم النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، كما نهاهم عن التخلي في الطرق ، لا دليل له فيه ، فإنها لا تعم الطرق ، بل يمكن التحرز منها ، لأن المدينة كانت واسِعة ، ولم تكُن الخمر كثيرة جِداً بحيث تكون نَهراً أو سيلاً في الطرق يَعمُّها كلها ، وإنما أُرِيقت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها ، قاله القرطبي ، وهو ظاهر .