Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 14-14)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } . هذه الآية الكريمة تدل على أن من كذب الرسل يحق عليه العذاب ، أي يتحتم وثبت في حقه ثبوتاً لا يصح معه تخلفه عنه ، وهو دليل واضح على أن ما قاله بعض أهل العلم من أن الله يصح ان يخلف وعيده ، لأنه قال : إنه لا يخلف وعده ولم يقل إنه لا يخلف وعيده ، وأن إخلاف الوعيد حسن لا قبيح ، وإنما القبيح هو إخلاف الوعد ، وأن الشاعر قال : @ وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي @@ لا يصح بحال ، لأن وعيده تعالى للكفار حق ووجب عليهم بتكذيبهم للرسل كما دل عليه قوله هنا : { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } . وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف العلة كقوله : سها فسجد . أي لعلة سهوه وسرق فقطعت يده أي لعله سرقته ، ومنه قوله تعالى { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] فتكذيبهم الرسل علة صحيحة لكون الوعيد بالعذاب حق ووجب عليهم ، فدعوى جواز تخلفه باطلة بلا شك ، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة موضحاً في آيات أخر ، كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة : { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } [ ق : 28 - 29 ] الآية ، والتحقيق : أن المراد بالقول الذي لا يبدل لديه هو الوعيد الذي قدم به إليهم . وقوله تعالى في سورة ص { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } [ ص : 14 ] . وبهذا تعلم أن الوعيد الذي لا يمتنع إخلافه هو وعيد عصاة المسلمين بتعذيبهم على كبائر الذنوب ، لأن الله تعالى أوضح ذلك في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 و 116 ] وهذا في الحقيقة تجاوز من الله عن ذنوب عباده المؤمنين العاصين ، ولا إشكال في ذلك ، وقد أوضحنا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 128 ] .