Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 22-22)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف العلماء في المراد بكون رزق الناس في السماء ، فذهبت جماعة من أهل العلم ، أن المراد أن جميع أرزاقهم منشؤها من المطر وهو أنزل من السماء ، ويكثر في القرآن إطلاق اسم الرزق على المطر ، لهذا المعنى كقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } [ غافر : 13 ] وقوله تعالى : { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ } [ الجاثية : 5 ] الآية . وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة المؤمن . وإنزاله تعالى الرزق من السماء بإنزال المطر من أعظم آياته الدالة على عظمته وأنه المعبود وحده ، ومن أعظم نعمه على خلقه في الدنيا ، ولذلك كثر الامتنان به في القرآن على الخلق . وقال بعض أهل العلم : معنى قوله : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } أن أرزاقكم مقدرة مكتوبة ، والله جل وعلا يدبر أمر الأرض من السماء ، كما قال تعالى : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } [ السجدة : 5 ] الآية . قوله تعالى : { وَمَا تُوعَدُونَ } ، ما ، في محل رفع عطف على قوله : { رِزْقُكُمْ } ، والمراد بما يوعدون ، قال بعض أهل العلم : الجنة ، لأن الجنة فوق السماوات ، فإطلاق كونها في السماء إطلاق عربي صحيح ، لأن العرب تطلق السماء على كل ما علاك كما قيل : @ وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر @@ ولما حكى النابغة الجعدي شعره المشهور ، قال فيه : @ بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا @@ قال له صلى الله عليه وسلم : " إلى أين يا أبي ليلى " قال : إلى الجنة ، قال : " نعم إن شاء الله " . وقال بعض أهل العلم : وما توعدون من الخير والشر كله مقدر في السماء ، كما بيناه في القول الثاني في المراد بالرزق في الآية ، وهذا المعنى فيما يوعدون به أنسب لهذا القول الثاني في معنى الرزق . وقد وردت قصص تدل على أنه هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع ، فمن ذلك ما ذكره غير واحد عن سفيان الثوري أنه قال : قرأ واصل الأحدب هذه الآية { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 22 ] فقال : ألا أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض ، فدخل خربة يمكث ثلاثاً لا يصيب شيئاً ، فلما أن كان في اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب ، وكان له أخ أحسن منه نية ، فدخل معه فصارتا دوخلتين ، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت . ومن ذلك أيضاً : ما ذكره الزمخشري في تفسير هذه الآية قال : وعن الأصمعي قال : أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له ، فقال : ممن الرجل ؟ قلت : من بني أصمع . قال : من أين أقبلت ؟ قلت من موضع يتلى فيه كلام الرحمان . فقال : اتل علي فتلوت : والذاريات فلما بلغت قوله تعالى : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } قال : حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر ، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى ، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت ، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل أصغر فسلم علي واستقرأ السورة ، فلما بلغت الآية صاح ، وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ، ثم قال : وهل غير هذا ؟ فقرأت { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [ الذاريات : 23 ] فصاح وقال : يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى الجؤوه إلى اليمين ، قائلاً ثلاثاً ، وخرجت معها نفسه انتهى .