Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 23-23)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأه ابن كثير وأبو عمرو : { لاَّ لَغْوٌ } بالبناء على الفتح ، { ولا تأثيم } كذلك لأنها ، لا ، التي لنفي الجنس فبنيت معها ، وهي إن كانت كذلك نص في العموم ، وقرأه الباقون من السبعة { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأثِيمٌ } بالرفع والتنوين . لأن لا النافية للجنس إذا تكررت كما هنا جاز إعمالها وإهمالها ، والقراءتان في الآية فيهما المثال للوجهين : وإعمالها كثير ، ومن شواهد إهمالها قراءة الجمهور في هذه الآية ، وقول الشاعر : @ وما هجرتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جمل @@ وقوله : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأسَاً } : أي يتعاطون ، ويتناول بعضهم من بعض كأساً أي خمراً ، فالتنازع يطلق لغة على كل تعاط وتناول ، فكل قوم يعطي بعضهم بعضاً شيئاً ويناوله إياه ، فهم يتنازعونه كتنازع كؤوس الشراب والكلام ، وهذا المعنى معروف في كلام العرب . ومنه في الشراب قول الأخطل : @ وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة السار @@ فقوله : نازعته طيب الراح : أي ناولته كؤوس الخمر وناولنيها ، ومنه في الكلام قول امرئ القيس : @ ولما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال @@ والكأس تطلق على إناء الخمر ، ولا تكاد العرب تطلب الكأس إلا على الإناء المملوء ، وهي مؤنثة وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأثِيمٌ } يعني أن خمر الجنة التي يتعاطاها المؤمنون ، فيها مخالفة في جميع الصفات لخمر الدنيا ، فخمر الآخرة لا لغو فيها ، واللغة كل كلام ساقط لا خير فيه ، فخمر الآخرة لا تحمل شاربيها على الخبيث والهذيان ، لأنها لا تؤثر في عقولهم بخلاف خمر الدنيا ، فإنهم إن يشربوها سكروا وطاشت عقولهم ، فتكلموا بالكلام الخبيث والهذيان ، وكل ذلك من اللغو . والتأثيم : هو ما ينسب به فاعله إلى الإثم ، فخمر الآخرة لا يأثم شاربها بشربها ، لأنها مباحة له ، فنعم بلذتها كما قال تعالى : { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } [ محمد : 15 ] ولا تحمل شاربها على أن يفعل إثماً بخلاف خمر الدنيا ، فشاربها يأثم بشربها ويحمله السكر على الوقوع في المحرمات كالقتل والزنا والقذف . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من مخالفة خمر الآخرة لخمر الدنيا ، جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [ الصافات : 45 - 74 ] وقوله { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } : أي ليس فيها غول يغتال العقول ، فيذهبها كخمر الدنيا . { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنَزفُونَ } : أي لا يسكرون ، وكقوله تعالى : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 17 - 19 ] : وقوله { لاَّ يَصَدَّعُونَ } أي لا يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها . وقد أوضحنا معنى هذه الآيات في صفة خمر الآخرة ، وبينا أنها مخالفة في جميع الصفات لخمر الدنيا . وذكرنا الشواهد العربية في ذلك في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى : { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } [ المائدة : 90 ] الآية .